وفي قوله: ?الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ? [الأنفال:66]، الآن، وقبل ?وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ? [الأنفال:65]، هـ?ذا يدلّ على النّسخ.
?سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنسَى (6) إِلاَّ مَا شَاء اللَّهُ? [الأعلى:6 - 7]، هـ?ذه أيضا استدل بها بعض العلماء على جواز النسخ، قال: ما شاء الله أن ينساه حتى يرتفع حكمه فعل.
وأما السنة فكثير، ((كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، () كنت نهيتم عن الانتباذ في الدباء، فانتبذوا فيما شئتم غير أن لا تشربوا مسكرا، كنتم نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي فادخروا ما شئتم)) () وأمثال هـ?ذا كثير مما يدل على جواز النسخ، والحكمة تقتضي بأن الناس في ابتداء الشريعة ليسوا كالناس عند كمال الشريعة، تقبلهم للشيء بعد كمال الشريعة ورسوخ الإيمان في قلوبهم أكثر من تقبلهم في أول الشريعة ولهذا جاءت الشريعة متطورة حسب أحوال المشرع لهم.
فعندنا أصل وهو أن الأصل بقاء الصوم وعدم فساده، هـ?ذا الأصل إلا بدليل، وعندنا حكمة معقولة وهي ما علل به كبار أنه من أجل الضعف.
فإذا كان عندنا أصلان وعندنا حديث قوي وأحاديث ضعيفة فنقول: على الأقل للصائم اعمل بالأحوط، ما دام ما عليك مشقة وتعب بانتظار الليل فانتظر استبرئ لدينك وانتظر، فإن كان عليك تعب فاحتجم، وحينئذ نقول: على رأي من يقول بالإفطار يحل لك الأكل والشرب. وعلى رأي الآخرين نقول: أمسك إلى? الليل؛ لأنك ما أفطرت.
ماذا يبقى عندنا؟ يبقى عندنا قضاء هـ?ذا اليوم واجب على من قال: إنه يفطر، وليس بواجب على من قال: إنه لا يفطر، فإذا صامه صار أحوط.
فصارت المسألة الاحتياط بلا شك ترك الحجامة إلى الليل، إذا لم يمكن احتجم، وأمسك، فإن قدر أنك ضعفت عن الإمساك وعجزت فأفطر على القولين.
وأما مبالغة الناس الآن حتى أن الواحد منهم إذا جرحه أدنى شيء أو تدمّى سنه أو ما أشبه ذلك يقول: أفطرت، أفطرت، هـ?ذا لا أصل له.
من الفوائد:
هل يلحق بالحجامة غيرها كالفصد والتشريط أو لا؟
في هـ?ذه المسألة خلاف بناء على أنه هل الحكمة معقولة أو هو تعبدي؟
إن قلنا: إنه تعبدي فلا قياس؛ لأن القياس إلحاق فرع بأصل في حكم لعلة جامعة، إلحاق فرع وهو المقيس بأصل وهو المقيس عليه في حكم لعلة جامعة. فإذا كان الحكم تعبديا أي غير معقول العلة فإنه يمتنع القياس لفوات ركن من أركانه وهي العلة.
فمن قال: إنه تعبدي -وهو المشهور من المذهب- قال: إنه لا يلحق الفصد والتشريط بالحجامة، وأنّ الصائم لو شرّط أو فصد فإنه لا يفطر بذلك، وهـ?ذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله عند أصحابه.
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن الشرط والفصد بمعنى الحجامة فيلحق بها فلا يجوز للصائم أن يفصد أو أن يشرط. ()
وكذلك أخذ الدم من الإنسان ليحقن في غيره، ينبني على هـ?ذا، فإذا أخذ من إنسان دم يحقن في غيره، وكان كثيرا بحيث يؤثر على البدن كما تؤثر الحجامة فإنه ينبني على ما سمعتم.
هل يلحق بالحجامة غيرها أم لا؟ فإن قلنا: يلحق، قلنا: إن هـ?ذا يفطر، وإلا فلا.
وعلى القول بأنه يلحق بها ما يساويها، إذا طلب من شخص أن يتبرع بدم لآخر:
فإن كان صومه نفلا فلا حرج عليه لأنه يجوز للصائم نفلا أن يفطر بدون عذر.
وإن كان صومه فريضة نظرنا: إن كان المريض مضطرا إلى? لذلك بحيث يُخشى عليه الموت إن لم يحقن به قبل المغرب، ففي هـ?ذه الحال يجب على الصائم أن يتبرّع بدمه ويفطر، لأنه يجب إنقاذ الغريق والحريق ولو أدى إلى? الفطر، وفي هـ?ذه الحال إن تبرع بدمه وأفطر يجوز أن يأكل ويشرب؛ لأن القاعدة عندنا أن كل من أفطر في رمضان بسبب يبيح الفطر فله الأكل والشرب بقية النهار؛ لأن الإمساك لا فائدة منه، ما دام أن الشارع قد أذِن له بالأكل والشرب فلا حرج، ولو لا ذلك لقلنا: إن المريض لا يجوز له أن يأكل أو يشرب ولو كان قد أفطر من أجل المرض إلا إذا جاع حتى خيف عليه، أو إذا عطش حتى خيف عليه مع أنه يجوز له أن يأكل ويشرب كما شاء.
¥