فإذا قال قائل: يحتمل أنه أُخبر بعد أن فعل. قلنا: أين الدليل؟ الأصل عدم ذلك.
وحينئذ يبقى الاستدلال بهذا الحديث واضحا بأن الرجل كان عالما بأنه حرام؛ ولكنه جاهل بما يجب عليه.
هل يقاس على ذلك ما لو زنا رجل وهو يعلم أن الزنا حرام لكنه يجهل الحد الواجب فيه؟ يقاس عليه لا شك؛ لأن العلم العقوبة ليس بشرط، الشرط العلم بالحكم الشرعي، فإذا علم الإنسان الحكم الشرعي وأقدم على انتهاكه عوقب بما يقتضيه ذلك الانتهاك، والعلم بالحد ليس بشرط، وقد مرّ علينا في كتاب الحدود أن الشّرط أن يكون عالما بالتعريف.
ومن فوائد هـ?ذا الحديث وجوب الكفارة المغلظة في الجماع في نهار رمضان؛ لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوجب عليه الكفارة.
فإن قلت: هل يقاس على ذلك إذا كان صائما في قضاء رمضان أو لا يقاس؟ يقال: لا يقاس، والفرق بينهما حرمة الزّمن.
وعليه فلو أنّ الرجل جامع زوجته وهو يصوم رمضان قضاء فلا كفارة عليه، وذلك لأن وجوب الكفارة من أجل انتهاك الصوم في زمن محترم؛ وهو نهار رمضان.
ولذلك الآن يدلكم على هـ?ذا لو أن رجلا أفطر في قضاء رمضان عامدا، فالفطر حرام؛ لكن هل يلزمه الإمساك للغروب؟ لا، ولو أفطر في نهار رمضان عامدا فالفطر حرام ويلزمه الإمساك.
وإذا كان الجماع في نهار رمضان يمتاز عن غيره بهذه العلة، فإنه لا يمكن إلحاق غيره به.
من جامع زوجته في كفارة، ليس عليه كفارة؛ لكن صومه يبطل بلا شك لكنه ليس عليه كفارة ككفارة المجامع في نهار رمضان.
ويستفاد من هـ?ذا الحديث أن الرّجل لو جامع غير زوجته في نهار رمضان من باب أولى.
قد يقول قائل: إن هـ?ذا سيُحد ويكتفى بحده عن الكفارة، فلا يجمع عليه بين كفارتين.
فالجواب عن ذلك: أن يقال: أما قوله: (عَلَى اِمْرَأَتِي) فهـ?ذا وصف فردي لا أثر له.
الوصف الفردي الذي يسميه بعض الأصوليين مفهوم اللقب، هـ?ذا لا أثر له، والأثر الحقيقي للمعنى وهو الفعل الذي هو الجماع، هـ?ذا وجه.
ووجه آخر لا يمكن أن نقول هـ?ذا؛ لأنه الأغلب، لأنك لو قلت: إنه الأغلب كان معناه في غير الأغلب يطأ غير زوجته، لكن هـ?ذا وصف فردي ليس قيدا فلا يؤثر في الحكم.
إذن نقول: إذا جامع غير امرأته في نهار رمضان، فإن انطبقت عليه شروط الحد وجب عليه شيئان:
• كفارة الجماع.
• والثاني الحد.
وإن وقع على غير امرأته على وجه يعذر فيه كالوطء بشبهة فعليه الكفارة فقط.
يستفاد من هـ?ذا الحديث أنه لو جامع زوجته في رمضان وهو صائم، والصوم غير واجب عليه فلا كفارة عليه.
وعلى هـ?ذا فلو أن رجلا كان مع امرأته في نهار رمضان صائمين وهما مسافران فجامعها فلا شيء عليه.
ويستفاد من هـ?ذا الحديث جواز الفتوى بدون السؤال عن الموانع، لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يسأله: هل أنت مسافر؟ ولأن قوله: (هَلَكْتُ) يدل على أن الصوم واجب عليه.
وحينئذ لا يستقيم هـ?ذا الاستدلال؛ ولكن المسألة من حيث هي صحيحة؛ يعني أنه يجوز للمفتي أن يفتي ولا يسأل عن الموانع.
فلو جاءه رجل وقال: إني طلقت زوجتي طلقة، فهل لي أن أراجعها؟ هل يلزم أن يقول: طلقتها في الحيض؟ طلقتها في طهر لم تجامعها فيه؟ طلقتها حاملا؟ طلقتها في طهر جامعتها فيه؟ لا.
لو جاءه يسأل: هلك هالك عن ابن وعم، هل يلزمه أن يسأل: هل الابن قاتل؟ هل هو رقيق؟ هل هو مخالف لدين أبيه؟ لا.
فذكر الموانع لا تتوقف عليه الفتوى.
أما التفصيل في أمر وجودي فلابد منه، كما لو قال السائل: هلك هالك عن أخ وبنت وعم، فهنا البنت ما يحتاج يستفصل فيها، وعن أخ، وعم شقيق يحتاج يستفصل، يقول: ما الأخ؟ إن كان أخا لأم فالباقي بعد فرض البنت للعم، وإن كان أخا لغير أم فالباقي بعد فرض البنت للأخ، وحينئذ يحتاج إلى? استفصال، بخلاف ذكر الموانع فليس بشرط، إنما لو ذُكر المانع في الاستفتاء يجب أن يفتي على حسب هـ?ذا المانع.
الحدود، قد يقال: تدرأ بالشبهات فلابد من الاستثبات.
قد يقال: إذا كثر الجهل، وقد يقال: إنه لا يلزم لأن الصحابة في عهد الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ كانوا يطلقون ويفتون ويأخذون بالعدة، ويدل لذلك أنهم ليسوا كلهم يعلمون هـ?ذا فابن عمر طلق امرأته وهي حائض، فقد يقال: إذا غلب الجهل، وقد يقال: أن الأصل السلامة، غلب عليهم الجهل وغلب عليهم نقص الإيمان.
¥