إذن يجوز أن تخبر عن ما يغلب عل ظنك، ولا يعد هـ?ذا رجما بالغيب. ولهذا قال الله تعالى?: ?إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ? [الحجرات:12]، ولم يقل: إن الظن إثم. لأن الظن المبني على القرائن ليس بإثم، كذلك الظن الذي لا يُحقق فيه؛ بمعنى أن الإنسان إذا اتهم أحدا بشيء ذهب يبحث ويستفسر، هـ?ذا لا يجوز.
ومن فوائد الحديث جواز ضحك الإمام بحضور رعيته، من قوله: (فَضَحِكَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، والنبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ إمام الأئمة عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ، وهو أشد الناس حياء، لو كان هـ?ذا مما يستحيا منه ما فعله الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ، بل هـ?ذا يدل على طيب النفس وسعة الخلق.
بعض الناس إذا كان له منزلة أو جاه يأنف أن يضحك، حتى ولو ضحك الناس يأنف أن يضحك، يقول: أضحك وأنا كبير، أضحك وأنا غني، أضحك وأنا عالم، أضحك وأنا الوزير، أضحك وأنا الأمير، أضحك وأنا الملك، ما يصلح الضحك للصغار، ماذا نقول؟ نقول: ضحك من هو خير منا؛ الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ.
وفيه أيضا أن الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ كما أنه يتبسم كثيرا، فإنه يضحك أحيانا ليس كثيرا، ضحكه قليل لكن تبسمه كثير عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ.
هل يستفاد منه جواز الضحك على ما يتعجب منه؟ نعم، حتى ولو للإمام، لأنه إذا جاز للإمام الذي هو محلّ الوقار فجوازه لغيره من باب أولى؛ لكن لابدّ أن يكون لها سبب، أما أن يضحك على غير سبب فهـ?ذا يعتبر من قلة الأدب؛ لكن إذا كان لسبب فهـ?ذا يعتبر الإنسان على فطرته وأنه ما عنده تزمت، ولا عنده انزواء، ولا عنده كبرياء، لأن ما تدعو الفطرة إلى? الضحك منه هـ?ذا فلا بأس به.
ومن فوائد هـ?ذا الحديث أن الأمر قد يراد به الإباحة، الشاهد: (فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ)؛ هـ?ذا أمر لكنه يراد به الإباحة.
وهكذا نأخذ قاعدة أن الأمر بعد الاستئذان للإباحة؛ لأن الاستئذان يفيد المنع، فإذا جاء الأمر بعد المنع فهو للإباحة، كما قال العلماء رحمهم الله: إن الأمر بعد النهي للإباحة، واستدلوا بقوله تعالى?: ?وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ? [المائدة:02]
ومن فوائد الحديث جواز كون الإنسان مصرفا لكفارته.
قال: (فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ).هل هو على سبيل الكفارة؟ أو على سبيل أنك في حاجة، والكفارة ما تجب إلا لغني قادر عليها؟ ستقولون: يحتمل.
الرجل يقول: أن أهل بيته في حاجة، ويقول: أنهم محتاجين، وكل من في المدينة أغنى منه، ما فيه أهل بيت أحوج منه. الذين ليس في البلد أحوج منه، معناه هو المسكين. وحينئذ لا تجب عليه الكفارة.
بعض العلماء استنبط الفائدة التي أشرنا إليها؛ أنه يجوز أن يكون الإنسان مصرفا لكفارته بشرط أن يقوم بها غيره، أما أن يقوم بها هو، ليس بصحيح.
واحد عليه إطعام ستين مسكينا، يذهب يشتري ما يكفي ستين مسكينا ويعطيها لأهله يأكلوها، هـ?ذا لا، لكن إذا أعطاها إياه غيره قالوا: فهـ?ذا دليل يدل على جواز ذلك.
لكن علماء آخرين قالوا: هـ?ذا ليس بصحيح، ولا يستفاد هـ?ذا من الحديث؛ لأن قول الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: (فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ) إنما أعطاه إياه، لا على أنه كفارة؛ ولكن على أنه لدفع حاجته، بدليل أنه لابد من إطعام ستين مسكينا. ولم يقل: إن أهل هـ?ذا الرجل ستون نفرا.
فإن قلت: يمكن ذلك. هو يمكن؛ لكن نقول: حتى وإن كان ممكنا، كان على الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ أن يقول: هل أهلك يبلغون ستين مسكينا؟ حتى يتبين أن ذلك من أجل الكفارة.
ولهذا الصواب في هذه المسألة أن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ) من باب دفع الحاجة لا من باب الكفارة.
وحينئذ يبقى النظر في الفائدة التي أشرنا إليها سابقا وهي: هل تسقط الكفارة عن الفقير أو تبقى دينا في ذمته؟
فيه خلاف بين العلماء:
¥