بعضهم قال: إنها لا تسقط؛ لأن هـ?ذا دين والدين لا يسقط بالإعسار؛ بل يبقى في ذمة المدين إلى? أن يغنيه الله. ويدل لذلك أن الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ بعد أن قال الرجل: إنه لا يستطيع. قال له: خذ هـ?ذا فتصدق به. ولو كانت ساقطة بعدم الاستطاعة لكان الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ ما يقول: خذ هـ?ذا تصدق به. إذن قد سقطت عنه ويعطيه هـ?ذا إما لدفع حاجته، وإما يعطيه غيره من الناس.
وهـ?ذا في الحقيقة إيراد جيد، هـ?ذا القول بأنها تسقط بالعجز.
ولكن الصحيح أنها تسقط بالعجز، ويدلّ لذلك:
أولا عموم قوله تعالى?: ?فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ? [التغابن:16]، وقوله: ?لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا? [البقرة:286]، هـ?ذا واحد.
ثانيا تدبرنا جميع موارد الشريعة ومصادر الشريعة وجدنا أنها لا توجب على الإنسان ما لا يستطيع، فالزكاة لا تجب على الفقير، والحج لا يجب على الفقير، والصوم لا يجب على العاجز عنه، وهكذا أيضا هـ?ذه الكفارة لا تجب على العاجز عنها.
ثالثا أن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هـ?ذا الحديث لما قال: (أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ)، لم يقل: وإذا اغتنيت فكفّر. وهـ?ذا يدل على سقوطها.
وأما قول الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: خذ هـ?ذا فتصدق به. فيمكن أن يجاب عنه: بأن الرجل إذا اغتنى في الحال فإنه تلزمه الكفارة.
مثل لو كان حين الجماع في نهار رمضان فقيرا وفي ذلك اليوم أو بعده بيوم أو يومين مات له مورّث غني فاغتنى، حينئذ نقول: تجب عليه الكفارة؛ لأن الوقت قريب، فيمكن أن يفرق بين شخص اغتنى قريبا وشخص آخر لم يغتنِ، فإن هـ?ذا لا تلحقه، وهـ?ذا أقرب شيء أنها تسقط بالعجز؛ لأن الأدلة تشهد لذلك.
في هـ?ذا الحديث اختلاف في الألفاظ، فهل هـ?ذا الاختلاف يقتضي أن يكون الحديث مضطربا؟ وإذا اقتضى أن يكون مضطربا صار الحديث ضعيفا؛ لأن المضطرب -كما سيأتينا إن شاء الله تعالى?- من قسم الضعيف؟
فالجواب: لا، لأن الاختلاف في الألفاظ إذا كان لا يعود إلى? أصل الحديث فإنه لا يضر؛ لأن الأصل المقصود من الحديث هو وجوب الكفارة على من جامع في نهار رمضان، والروايات كلها متفقة في ذلك، أما اختلاف الألفاظ في كونه أقسم على أن ما بين لابيتها أفقر منه، وفي قوله: (أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ)، وفي قوله: ما بين لابيتها أهل بيت أفقر منا .. وما أشبه ذلك، فإن هـ?ذا لا يضر.
وهـ?ذه القاعدة ذكرها المحدثون رحمهم الله، وممن ذكرها ابن حجر عند اختلاف الرواة في حديث فضالة بن عبيد حين اشترى قلادة من ذهب باثني عشر دينارا، ففصلها فوجد فيها أكثر من اثني عشر دينارا، فإن الرواة اختلفوا في عدد الثمن، هل هو اثنا عشر دينارا أو أقل أو أكثر، فقال ابن حجر: إن هـ?ذا لا يضر لأن هـ?ذا ليس في أصل الحديث. واختلاف الرواة في مقدار الثمن هـ?ذا أمر يقع إذْ أن الإنسان قد ينسى كم عدد الثمن.
هـ?ذه أيضا اختلاف الألفاظ لكنها لا تعود إلى? أصل الحديث، وعلى هـ?ذا فالحديث سالم من الاضطراب وهو صحيح.
فيه أيضا هل المرأة -زوجة الرجل- عليها كفارة، الحديث ليس فيه شيء.
ومن ثم اختلف العلماء هل على المرأة المجامعة كفارة أو لا؟
منهم من قال: إنه لا شيء عليها؛ لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يقل له: مر أهلك بالكفارة. والسكوت عن الشيء مع دعاء الحاجة إلى? ذكره دليل على عدم وجوبه، فسكوت الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ من الحاجة الداعية إلى? الذكر يدل على أنه ليس بواجب.
ومنهم من قال: بل المرأة المختارة كالرجل؛ لأن الأصل تساوي الرِّجال والنساء في الأحكام إلا بدليل.
وأجاب عن هـ?ذا الحديث بعدة أوجه:
الوجه الأول: أن هـ?ذا الرجل جاء يستفتي عن نفسه، والاستفتاء عن النفس في أمر يتعلق بالغير يجاب الإنسان فيه على قدر استفتائه ولا يبحث عن الغير، واستدلوا لذلك بأن هند بنت عتبة جاءت إلى? النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ فقالت: إن أبا سفيان رجل شحيح، لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني. فقال لها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((خذي من ماله ما يكفيك وولد بالمعروف)) () ولم يطلب أبا سفيان يسأله هل كلام المرأة صحيح أو لا.
¥