ثانيا: أن الرجل يقول: هلكت، وفي بعض الألفاظ: وأهلكت. وهـ?ذا يشعر بأنه قد أكره الزوجة، ولم يقل: هلك معي أهلي. ومعلوم أن الزوجة إذا كانت مكرهة فليس عليها شيء، فيكون هنا: لم تذكر الكفارة على المرأة لوجود ما يشعر بأنها مكرهة، والمكرهة ليس عليها شيء.
ثالثا: ربما كانت هـ?ذه المرأة غير صائمة:
فقد تكون مريضة ما تستطيع الصوم.
أو طهرت من الحيض بعد طلوع الفجر -والصحيح أن من طهرت من الحيض بعد طلوع الفجر لا يلزمها الإمساك، فتكون تأكل وتشرب-، ولو أن زوجها قدم من سفر وهي طهرت بعد الفجر وهو قدم بعد الفجر جاز له أن يجامعها؛ لأن كلا منهما لا يلزمه الصوم.
ربما تكون حائضا، الرّجل يقول: هلكت وأهلكت. لكن هـ?ذا بعيد بالنسبة لحال الصحابة، لكن فيه احتمال عقلا ليس ممتنعا.
قد تكون حاملا جاز لها الفطر. كل هـ?ذا ممكن.
قد تكون مرضعا جاز لها الفطر.
إذن المرأة فيها احتمالات كثيرة.
وعندنا قاعدة أصيلة مؤصلة في الشريعة الإسلامية وهي: تساوي الرجال والنساء في العبادات إلا ما قام عليه الدليل.
وحينئذ فنقول: المرأة المطاوعة كالرجل، فإذا طاوعت المرأة زوجها في الجماع في نهار رمضان، فإن عليها من الكفارة ما على زوجها، إعتاق رقبة، فإن لم تجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم تستطيع فإطعام ستين مسكينا.
إذا كانت هي تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين وزوجها لا يستطيع فماذا يكون؟ تصوم وزوجها يطعم.
فإذا قال زوجها: تبطئ علي شهرين متتابعين صائمة، لك الليل يكفيك، أتركها تصوم.
إذن فيه أيضا بحث في الحديث، لم يذكر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهذا الرجل قضاء ذلك اليوم، فهل نقول: إنه لا قضاء عليه لأنه قد تعمد الفطر؟ فهل نقول: إن من تعمد الفطر لا قضاء عليه؟
نقول: ذهب إلى? هـ?ذا بعض العلماء ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية، قال: من تعمد الفطر في نهار رمضان فلا قضاء عليه.
ومعنى (لا قضاء عليه) يعني لا يقبل منه القضاء، فعليه أن يتوب عن الفطر وعن الصوم.
ولكن هو قال رحمه الله -شيخ الإسلام- إن أمر المجامع -يعني هـ?ذا الرجل- بالقضاء ضعيف، لأنه ورد أن النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ قال: ((صم يوما مكانه))، () لكن هـ?ذا الحديث كما قال شيخ الإسلام: إنه ضعيف. ()
نحن نقول: عدم ذكر الصوم هنا:
إما أن يُخَرّج على ما خرجه عليه شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو أن المتعمد لا يقضي؛ لأنه غير معذور، وهـ?ذا واحد.
وهـ?ذا فيه نظر، لأن القول الراجح أن الإنسان إذا شرع في الصوم لزمه، وصار في حقه كالنذر؛ لأنه يبتدئ به معتقدا لزومه ووجوبه عليه، فهو كالناذر، والنذر يجب الوفاء به ولو أفسده صاحبه.
وعلى هـ?ذا فنقول: إذا شرع في الصوم ثم أفطر متعمدا فهو آثم وعليه القضاء، أما إذا لم يشرع في الصوم أصلا، الرجل تعمّد أن يفطر هـ?ذا اليوم من قبل الفجر، فالصحيح أنه لا قضاء؛ بمعنى لا ينفعه القضاء؛ لأنه تعمّد تأجيل العبادة عن وقتها بدون عذر، وكل عبادة مؤقتة إذا تعمّد الإنسان تأجيلها أو تأخيرها عن وقتها فإنها لا تقبل منه.
إذن هل هناك وجه آخر؟ نعم قال بعض العلماء: لم يوجب عليه قضاء الصوم؛ لأنه أوجب الكفارة، فكانت الكفارة كفارة عن هـ?ذا اليوم وعن الجماع، فهما ذنبان دخل أحدهما في الآخر، وصارت الكفارة لهما جميعا؛ لأن الكفارة كفارة للأمرين للوطي والفطر، وعلى هـ?ذا فيكتفى بها عن الصوم، هـ?ذا جواب ثان.
جواب ثالث قالوا: لم يذكر وجوب الصيام عليه؛ لأن هـ?ذا أمر معلوم أن من أفطر يوما فعليه قضاؤه، وما كان أمرا معلوما فإنه حاجة إلى الاستفصال عنه، أو التنصيص عليه؛ لأن هـ?ذا الرجل هو نفسه قد أقر بأنه هلك، فكان مقتضى الحال أن يكون ملتزما بقضاء هـ?ذا اليوم.
هل في الحديث دليل على أن الجماع مفسد للصوم موجب للكفارة سواء كان الإنسان عالما أو جاهلا أو ذاكرا أو ناسيا؟
قال بعض العلماء فيه دليل.
نقول: إن ظاهر الحديث وهو قوله: (هَلَكْتُ) يدل على أن الرجل كان عالما بذلك؛ لأنه لا هلاك إلا مع علم.
ولكن قد يقول قائل: ربما أن هـ?ذا الرجل أخبر بعد أن فعل بأنّ هـ?ذا حرام فقال: (هَلَكْتُ).
نقول: نعم، هـ?ذا الاحتمال وارد؛ ولكن الأصل أصل الكلام على ظاهره، وأن الرجل علم أنه هالك قبل أن يُخبر؛ لأن الإخبار وارد على حال المخبر، والأصل عدمه.
¥