ويستفاد أيضا من هـ?ذا الحديث أن من مات وعليه صيام من رمضان فإنه يصام عنه، لعموم قوله: (وَعَلَيْهِ صِيَامٌ)، وهـ?ذا هو القول الراجح في هـ?ذا الحديث.
وذهب بعض أهل العلم إلى? أنه لا يصوم أحد عن أحد.
وذهب آخرون إلى? أنّه يصام النذر، ولا يصام قضاء رمضان.
فالأقوال إذن ثلاثة.
حجة القائلين بأنه لا يصام عن أحد حديث روي عن النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ أنه قال: ((لا يصوم أحد عن أحد، ولا يصلي أحد عن أحد))، () وهـ?ذا عام، فيكون هـ?ذا الحديث على رأيهم منسوخا؛ لأنهم لا يقولون به.
ويقولون أيضا: لو قلنا أنه يصوم عنه، فإن أثمناه بعدم الصوم خالفنا قوله تعالى?: ?وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى? [الأنعام:164]، وإن لم نؤثمه فقد يكون مخالفا لظاهر الحديث؛ لأن ظاهر الحديث (صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ) هـ?ذا أمر والأصل في الأمر الوجوب.
أما الذين قالوا: إنه في النذر خاصة، أن هـ?ذا في النذر دون الفريضة الواجبة في أصل الشرع، فقالوا: لأن الواجب في أصل الشرع أوكد من حيث الفرض من الواجب بالنذر؛ لأن:
الواجب في أصل الشرع أوجبه الله على عباده عينا.
والواجب بأصل النذر أوجبه الإنسان على نفسه، فدخلته النيابة دون الواجب بأصل الشرع. فهو كما لو التزم الإنسان بديْن عليه ثم مات فإنه يقضى عنه.
ولكن نقول: هـ?ذا التعليل عليل.
الأول: الحديث ضعيف.
والثاني: لو فرضت صحته، لكان عامّا يخصص بهذا الحديث، ويكون معنى ((لا يصوم أحد عن أحد))، يعني لو كنا أحياء وقال شخص: والله أنا أعرف أن الصوم يكلفك؛ لكن أريد أن أصوم عنك، هـ?ذا ما يجوز، وأما إذا مات فهي مسألة خاصة فيكون مخصصا للعموم على تقدير صحة الحديث.
أما على قرينة أنه خاص بالنذر فنقول لهم: هـ?ذا ضعيف أيضا؛ لأنّا لو نظرنا إلى? الواجب بأصل الشرع والواجب بأصل النذر من الصيام لوجدنا أن الواجب بالنذر قليل بالنسبة إلى? الواجب بأصل الشرع.
متى يأتي رجل لينذر أن يصوم؛ لكن متى يكون عن رجل قضاء من رمضان؟ كثير، فكيف نحمل الحمل الحديث على الشيء النادر القليل، وندع الشيء الكثير، هـ?ذا بعيد، إذا حملنا كلام الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ على الشيء النادر وألغينا الشيء الكثير، فهـ?ذا صرف للكلام على ظاهره.
وعلى هـ?ذا فنقول: الصواب بلا شك أنه يجوز أن يصام عن الميت ما كان واجبا بأصل الشرع وما كان واجبا بالنذر.
رجل مرّ به رمضان وهو مريض مرضا معتادا يرجى برؤه -كالزكام مثلا- استمرّ به المرض حتى مات في آخر شوال يعفى عنه أو لا؟ يعفى عنه، لماذا؟ لأنه لم يتمكن، والمريض عليه عدة من أيام أخر.
رجل آخر عليه قضاء من رمضان، كان مسافرا لمدة خمسة أيام، وقدم من سفره، وبعد مدة مُرض ومات، يصام عنه، لأن هـ?ذا قد وجب عليه الصوم وتمكن منه وفرط فيه فيصام عنه.
هل يصام عنه متتابعا أو متفرقا؟
نقول: ظاهر الحديث (صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ) أنه يجوز متتابعا ويجوز متفرقا. كما أن الأصل أن الميت الذي عليه الصوم لو صام متتابعا أو متفرقا جاز، فكذلك من صام عنه يجوز أن يصوم متتابعا ومتفرقا.
ففي الحديث دليل على أنه لو اجتمع عدد من الأولياء، وصام كل واحد منهم جزءا مما عليه فهو جائز، يؤخذ من عموم قوله: (صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ)، إلا إن كان الصوم مما يشترط فيه التتابع فلا يجزئ مثل الكفارة فإنه لا يجزئ؛ لأنه من ضرورة التتابع أن لا يصوم جماعة عن واحد.
فمثلا إذا قدّرنا أنهم عشرون نفرا، وواجب عليه صيام شهرين متتابعين كم يصوم كل واحد؟ ثلاثة أيام. لو صام واحد ثلاثة أيام، والآخر ثلاثة أيام، والثالث ثلاثة أيام، ما صام كل واحد شهرين متتابعين، حتى لو فُرض أن كلما فرغ واحد من ثلاثة شرع الثاني ثم الثالث إلى? آخره، فإنه لا يصح لأنه لم يصم كل واحد شهرين متتابعين.
أما في رمضان فيمكن لأن الله قال: ?فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ? [البقرة:185]، مطلقا، ولهـ?ذا لو كان عليه عشرة أيام من رمضان وكان أولياؤه عشرة كل واحد يصوم يوما واحدا، وصاموا في يوم واحد، يجزئ؛ لأن هـ?ذه عدة من أيام أخر، كلمة من أيام قد نقول: مبنية على الغالب، وإلا فإن ه?ؤلاء عدة ولكن في يوم واحد إلا أن يقال: هـ?ذا بناء على الغالب على أن الذي سيصوم الرجل وحده.
لهذا يكون قد تم الكلام عن الحديث الأخير.
انتهت مقدمة الكتاب، ويليه إن شاء الله تعالى
بَابُ صَوْمُ اَلتَّطَوُّعِ وَمَا نُهِيَ عَنْ صَوْمِهِ
ـ[منصور أبوعبدالله]ــــــــ[25 - 09 - 07, 11:04 م]ـ
جزاك الله خيرا
ـ[سالم الجزائري]ــــــــ[16 - 10 - 07, 02:37 ص]ـ
سلام عليكم
نكمل إن شاء الله
قال: (بَابُ صَوْمُ اَلتَّطَوُّعِ) صوم التطوّع من باب إضافة الشيء إلى? نوعه، فالصوم قد يكون واجبا كرمضان والكفارة والفدية، وقد يكون تطوعا.
ثم قال: (وَمَا نُهِيَ عَنْ صَوْمِهِ) من الأيام، والنهي عن الصوم قد يكون لأمر يتعلق بالشخص، وقد يكون لأمر يتعلق بالزمن، كما سيأتي إن شاء الله تعالى?.
صوم التطوع من محاسن الدين الإسلامي ومن رحمة الله تعالى? بعباده؛ لأن صوم التطوع:
أولا: يُكَمَّل به الخلل الحاصل في صوم الفرض.
ثانيا: يزداد به إيمان الإنسان وثوابه عند الله عز وجل، ولولا أن الله ما شرع صوم التطوع لكان صوم التطوع بدعة يأثم بها الإنسان، على هـ?ذا نقول صوم التطوع فيه فائدتان:
الفائدة الأولى: تكميل الخلل الحاصل في الفرائض.
الفائدة الثانية: زيادة الأجر والثواب.
وقوله: (وَمَا نُهِيَ عَنْ صَوْمِهِ) النهي معناه طلب الكف على وجه الاستعلاء، ويشملهما المنهيَّ عنه تحريما والمنهيَّ عنه تنزيها.
¥