تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأما دليلهم الخامس: فيقال: إن التشويش على المسبوقين أو على الذاكرين منتفٍ طالما أن كل واحد يردِّدُ الأذكار من غير مراعاة للتوافق مع غيره، ومن غير مبالغة برفع الصوت، وهذا أمرٌ مجربٌ معروفٌ في مراكز تحفيظ القرآن إذ كل طالب يراجع محفوظه الخاص وتختلط الأصوات وكلٌ منشغلٌ بحفظه فلا يحصلُ التشويش، وإنما تحصلُ همهمةٌ ودويٌّ من الذاكرين ولا يتبيَّنُ كثير من ألفاظهم، ويقال أيضاً: إن هذا الوقت حق لهذا الذاكر فإن الأصل أن يصلي المأمومون مع الإمام فينصرفوا جميعاً، أما هذا المتمُّ صلاتَه فإنَّ الأصلَ فيه أن ينصرف مع الناس - وبهذا أجاب شيخنا حمد الحمد في شرح زاد المستقنع -، أو يقال: كما قال الشيخ ابن عثيمين في الفتاوى (13/ 249) " إنَّ المصلين إن لم يكن فيهم مسبوق يقضي ما فاته فلن يُشَوِّشَ عليهم رفعُ الصوت كما هو الواقع، لأنهم مشتركون فيه، وإن كان فيهم مسبوقٌ يقضي فإن كان قريباً منك بحيث تُشَوِّشُ عليه؛ فلا تجهر الجهر الذي يشوِّشُ عليه لئلا تُلَبِّسَ عليه صلاته، وإن كان بعيداً منك فلن يحصل عليه تشوش بجهرك " ا. ه

هذه خلاصة المسألة الأولى وهي حكم رفع الصوت بالذكر دبر الصلوات المكتوبات، وقد تبين القول الراجح فيها، وهو سنية رفع الصوت بالذكر دبر الصلوات المكتوبات، وبقي - تبييناً وتذكيراً بضوابط هذه المسألة - أن نقول:

1. إن رفع الصوت إنما يكون بالأذكار دبر الصلوات المكتوبات دون تخصيص للرفع بالتكبير فقط، بل يكون بالتكبير والتهليل والتسبيح والتحميد وقول: (اللهم أنت السلام ... )، على ظاهر حديث ابن الزبير رضي الله عنه والراجحُ من لفظي حديث ابن عباس رضي الله عنه، ومنه يُتَنَبَّهُ إلى أن ما يفعله بعض أهل الحديث -كما بلغنا- في مساجدهم في الهند من رفعهم أصواتهم بتكبيرة واحدة دبر الصلوات المكتوبات بصوت يكاد يكون جماعيا ثم تُخْفَتُ أصواتُهم ولا يجهرون فيما عدا ذلك من الأذكار أدبار الصلوات، كل هذا مما لا أصل له البتة وهو إلى البدعة أقرب، بل هو من الظاهرية المحضة التي تجمُدُ على بعض النصوص دون إعمالٍ لمجموع النصوص، ودون مراعاةٍ لمفهوم هذه النصوص عند سلف الأمة.

2. إن رفع الصوت بالذكر يكون في الأذكار دبر الصلوات، لا في قراءة آية الكرسي أو المعوذتين، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (22/ 508): " ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وخلفاؤه يجهرون بعد الصلاة بقراءة آية الكرسي ولا غيرها من القرآن، فَجهْرُ الإمام والمأمومِ بذلك والمداومةُ عليها بدعةٌ مكروهةٌ بلا ريب فإن ذلك إحداثَ شعارٍ " ا. ه، وكذا -والله أعلم- لا يُجْهَرُ بما يكون من أدعية دبر الصلوات المكتوبات لأنها ليست واردة في النصوص الدالة على الجهر وليست هي بمعنى المنصوص وهذا ما قرره ابن رجب عن الإمام أحمد في الفتح وقواه.

3. رفع الصوت بالذكر دبر الصلوات يكون من غير مبالغة ولا تعدٍ ظاهر لحديث أبي موسى رضي الله عنه، وإنما يكون بحيث يسمع من حوله قريباً منه، وقد تقدم تقرير هذا بما فيه الكفاية.

4. قد يقال: إن ظاهر حديث ابن عباس رضي الله عنه أن الجهر بالذكر دبر الصلوات يكون في أول الانصراف منها ببعض الأذكار لا كلها، قال ابن رجب في فتحه:" والمنقول عن الإمام أحمد أنه كان يجهر ببعض الذكر عقب الصلاة، ثم يُسِرُّ بالباقي، ويَعْقِدُ التسبيح والتكبير والتحميد سراً، ويدعو سراً " ا. ه، وهذا قول حَسَنٌ، على أنه إن قدَّمَ التسبيحَ والتحميدَ والتكبيرَ أحياناً وجهر به فهو حسن أيضاً، وهو ظاهر اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من كون جميع الذكر دبر الصلوات (التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل) قابل لأن يُجْهَرَ به. والله أعلم

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير