تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

4 - الإمام الشاطبي من المالكية لم يطرد قوله بالمنع في كل الصور كما في قوله الأول؛ بل قال بمراعاة الخلاف في صور لو وقعت وكان في إزالتها ضرر أعظم من الاستمرار عليها، ومثل لذلك بالنكاح بدون ولي فهو يرى أنه باطل، لكن إذا عثر عليه بعد الدخول فقد يراعى فيه الخلاف، فلا تقع فيه الفرقة لأن نقضه وإبطاله يؤول إلى مفسدة توازي مفسدة النهي أو تزيد.

فهو يقول في الأخذ بالرأي المرجوح في بعض الصور: "فمن واقع منهيا عنه، فقد يكون فيما يترتب عليه من الأحكام زائد على ما ينبغي بحكم التبعية لا بحكم الأصالة، أو مؤد إلى أمر أشد عليه من مقتضى النهي، فيترك5 وما فعل من ذلك، أو نجيز6 ما وقع من الفساد على وجه يليق بالعدل، نظرًا إلى أن ذلك الواقع وافق7 المكلف فيه دليلًا على الجملة، وإن كان مرجوحًا، فهو راجح بالنسبة إلى إبقاء الحالة على ما وقعت عليه؛ لأن ذلك أولى من إزالتها مع دخول ضرر على الفاعل أشد من مقتضى النهي، فيرجع الأمر إلى أن النهي كان دليله أقوى قبل الوقوع، ودليل الجواز أقوى بعد الوقوع، لما اقترن [به] من القرائن المرجحة .... فالنكاح المختلف فيه قد يراعى فيه الخلاف فلا تقع فيه الفرقة إذا عثر عليه بعد الدخول، مراعاة لما يقترن بالدخول من الأمور التي ترجح جانب التصحيح. وهذا كله نظر إلى ما يؤول إليه ترتب الحكم بالنقض والإبطال من إفضائه إلى مفسدة توازي مفسدة [مقتضى] النهي أو تزيد."

المذهب الشافعي:

يقول السبكي: "إذا قصد المفتي الأخذ بالقول المرجوح مصلحةً دينية جاز".

المذهب الحنبلي:

1 - يرى ابن تيمية أنه تجوز الزيادة على التوقيت في المسح على الخفين إذا تضرر اللابس بالخلع، مثل أن يكون هناك برد شديد كما يوجد في أرض الثلوج .... فهنا يمسح على الخفين للضرورة .....

2 - يقول الرحيباني (ت 1240هـ) بعد أن ذكر جواز التقليد لبعض العلماء فيما قالوا به مثل تقليد داود الظاهري في حل شحم الخنزير، وتقليد ابن حزم في جواز اللبث في المسجد للجنب، وتقليد ابن تيمية في إمضاء الطلاق الثلاث إذا كان دفعة واحدة طلقة واحدة، قال: "فمن وقف على هذه الأقوال، وثبت عنده نسبتها لهؤلاء الرجال، يجوز له العمل بمقتضاهاعند الاحتياج إليه خصوصا ما دعته الضرورة إليه، وهو متجه"

3 - يقول ابن بدران: "إن المفتي المقلد لمذهب له أن يفتي عند الحاجة بقول مرجوح في مذهبه".

4 - وقرر الشيخ محمد بن إبراهيم في مواضع من فتاواه، من ذلك قوله:

"المسألة الخلافية إذا وقعت فيها الضرورة .... جاز للمفتي أن يأخذ بالقول الآخر من أقوال أهل العلم الذي فيه الرخصة".

وقال في موضع آخر: " ... وهذا من شيخ الإسلام – يعني ابن تيمية – بناء على قاعدة ذكرها في بعض كتبه وهو أنه إذا ثبتت الضرورة جاز العمل بالقول المرجوح نظرا للمصلحة، ولا يتخذ عاما في كل قضية، بل الضرورة تقدر بقدرها، والحكم يدور مع علته وجود وعدما".

شروط العمل بالقول المرجوح في الفتوى: العمل بالقول المرجوح رخصة فهو يعد استثناء من الأصل، فلا يؤخذ به إلا بشروط ذكرها الفقهاء المجيزون للأخذ بالقول المرجوح عند الاقتضاء تعود في جملتها إلى الشروط الآتية:1 - ألا يخالف القول المعدول إليه دليلا صريحا من الكتاب والسنة لا يمكن الجمع بينه وبين أدلة القول الراجح أو المشهور، بل إن أدلة القول المعدول إليه هي الراجحة في هذه الواقعة؛ إذ إن أوصاف النازلة تنطبق على القول المعدول إليه؛ فكأن الاختلاف بين القولين اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد لأن القول الراجح ليس هو عين القول المعدول إليه في هذه النازلة إذ إن النازلة قد زادت أو نقصت وصفا أو قيدا مؤثرا سوغ العدول عن هذا القول للقول الآخر.

يقول الشاطبي:

"فيرجع الأمر إلى أن النهي كان دليله أقوى قبل الوقوع، ودليل الجاوز أقوى بعد الوقوع، لما اقترن به من القرائن المرجحة".

2 - أن يثبت القول المعدول إليه بطريق صحيح لقائله.

3 - أن يكون العدول للقول الآخر لضرورة أو حاجة مما هو في رتبة الضروريات والحاجيات لا التحسينات، لأن ما كان في هذه الرتبة لا يكون موجبا للإعراض عن المشهور.

4 - أن يكون العمل بالقول المعدول إليه مقتصرا على النازلة محل الفتوى ولا يكون ذلك عاما في كل واقعة بل إذا زال الموجب عاد للأصل فإن من القواعد المقررة في هذا الباب أنه (إذا وجبت مخالفة أصل أو قاعدة وجب تقليل المخالفة ما أمكن) وبأنه (ما جاز لعذر يبطل بزاوله)

5 - أن يكون الناظر في ذلك متمكنا من تقدير الضرورات والحاجات.

وليحذر المفتي كل الحذر من أن يحمله على ذلك تشه أو هوى ....

يقول الشيخ عبد الله آل خنين بعد أن رجح القول الأخير: فهو عندي استحسان فقهي يحصل به العدول من قول لآخر لمقتض شرعي في الفتيا.

ثم رجح أنه لا يشترط فيه "الاجتهاد في الفتيا" بالقول المرجوح وأنه يجوز أيضاً من المقلد الذي عنده القدرة على تقدير الحاجات والضرورات، وعلى الترجيح والاختيار بين الأقوال، وهو كثير بين الفقهاء والمفتين ممن لم يبلغوا رتبة الاجتهاد.

لكن عليه التثبت من مسوغ العدول إلى القول المرجوح والتأني في ذلك والحرص على تقدير الحاجة أو الضرورة المقتضية لذلك.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير