قول جمع بحل نظر وجه وكف عجوز يؤمن من نظرهما الفتنة لآية {والقواعد من النساء} ضعيف ويرده ما مر من سد الباب، وأن لكل ساقطة لاقطة ولا دلالة في الآية كما هو جلي بل فيها إشارة للحرمة بالتقييد بغير متبرجات بزينة} انتهى كلام ابن حجر.
وهذا الكلام الطويل سنحتاج لتوضيحه.
يقول الإمام النووي. في منهاجه
{ويحرم نظر فحل بالغ إلى عورة حرة كبيرة أجنبية وكذا وجهها وكفها عند خوف الفتنة وكذا عند الأمن على الصحيح}.
في كلام الإمام النووي هنا توضيح لما قلناه من اختلاف الستر عن النظر، فهو قال
(يحرم نظر فحل بالغ) الكلام هنا عن النظر
(إلى عورة حرة كبيرة أجنبية) ... فما هي هذه العورة؟
هي عورة الستر وهي ما عدا وجهها وكفيها، والإمام النووي هنا لم يضع شرطا لعدم النظر، بل أطلق حرمة النظر مما يعني أن هذه العورة غير مسموح بالنظر إليها سواء أمن الفتنة أم لا.
(وكذا وجهها وكفيها). فعطف الوجه والكفين على العورة، والعطف هنا يعني أمرين ... الأول: اشتراك الوجه والكفين مع العورة في حكم النظر وهو التحريم، والثاني: أن الوجه والكفين ليسا من العورة، وهذا توضحه قاعدة لغوية تقول أن العطف يقتضي التغاير في الأصل، أي أنه عطف الوجه والكفين ليسا من العورة، لأنهما لو كانا من العورة لما احتاج إلى عطفهما على العورة.
(عند خوف الفتنة). أي أنه يحرم النظر إلى الوجه والكفين عند خوف الفتنة
(وكذا عند الأمن) أي أنه يحرم النظر إليهما أيضا عند الأمن الفتنة.
(على الصحيح) يعني أن هناك قولا آخر في المذهب في النظر للوجه والكفين في حال الأمن من الفتنة ولكنه غير صحيح.
كان هذا هو كلام الإمام النووي رحمه الله.
وقد علق ابن حجر على هذا الكلام بهذا الشرح الطويل. سنقتطف منه عبارات ونوضحها.
{وهي ما عدا وجهها وكفيها بلا خلاف}. هذا تفصيل من الإمام ابن حجر لحدود العورة المذكورة في كلام الإمام النووي.
{(وكذا وجهها) أو بعضه ولو بعض عينها، أو من وراء نحو ثوب يحكى ما وراءه (وكفها)، أو بعضه أيضا}. قال الإمام ابن حجر أنه يحرم النظر للوجه مطلقا، ولو بعضه، ولو بعض عينها. أو من وراء ثوب يحكي ما وراءه. وهذا دليل جديد على اختلاف الستر عن النظر، لأنه حرم النظر إلى جميع ما ذكرنا، ولو كان جميع ما ذكرنا يجب ستره لكان يجب على المرأة ستر عينها أو بعض عينها، بل يجب عليها أن تضع على عينها ثوبا معتما لا يكشف من عينها شيئا. وهذا الثوب سيمنعها من الرؤية أيضا بكل تأكيد وهذا معناه بلا شك أن المرأة ستصبح عمياء.
{وبه اندفع ما يقال هو غير عورة فكيف حرم نظره ووجه اندفاعه أنه مع كونه غير عورة نظره مظنة للفتنة}.
وهذا يوضح تعليل حرمة النظر إلى الوجه والكفين وإن كانا من غير العورة بأن النظر إليهما مظنة الفتنة.
{نعم من تحققت نظر أجنبي لها يلزمها ستر وجهها عنه وإلا كانت معينة له على حرام فتأثم}.
يقول هنا أن المرأة إذا تحققت من نظر الأجنبي إليها، والتحقق هنا يعني اليقين والاطمئنان بأن الأجنبي ينظر إليها (وليس مجرد الشك أو الاحتمال). فعليها ستر وجهها عنه، أي أن المرأة في هذه الحال فقط يجب عليها ستر وجهها، وهذا يؤكد مرة أخرى (وعذرا على هذه الإعادة لكن الإعادة إفادة) أن الوجه ليس من العورة، لأن العورة يجب سترها سواء تحققت من نظر الأجنبي لها أم لا.
{ووجهه أن الآية كما دلت على جواز كشفهن لوجوههن دلت على وجوب غض الرجال أبصارهم عنهن ويلزم من وجوب الغض حرمة النظر ولا يلزم من حل الكشف جوازه كما لا يخفى فاتضح ما أشار إليه بتعبيره بالصحيح}.
هذا قاطع في المسألة، وهو واضح لا يحتاج لشرح. أنه لا يلزم من حل كشف الوجه (أي أن كشف الوجه حلال) جواز النظر إليه لأن الآية دلت على وجوب غض البصر عن المرأة.
(واختيار الأذرعي قول جمع بحل نظر وجه وكف عجوز يؤمن من نظرهما الفتنة لآية {والقواعد من النساء} ضعيف ويرده ما مر من سد الباب، وأن لكل ساقطة لاقطة).
هذا الكلام أيضا من ابن حجر يوضح اختلاف النظر عن الستر لأنه قال بحرمة النظر حتى إلى المرأة القاعد، وهي بالإجماع يجوز لها كشف وجهها.
من باب نسبة الفضل لأهله: أول من لفت نظري وبين لي هذا التدقيق في مذهب الشافعية هو الأخ محمد رشيد.
الأخ/ صالح بن عمير
هل يكفيك هذا النص عن الإمام الشافعي (الأم 2/ 545) ت: د. رفعت فوزي
[وأحب للمشهورة بالجمال أن تطوف وتسعى ليلا وإن طافت بالنهار سدلت ثوبها على وجهها أو طافت في ستر].
هذا واضح في إجازة كشف وجه المرأة عن الإمام الشافعي وشرحه كالآتي
(وأحب) أي أن الأمر استحباب لا وجوب (للمشهورة بالجمال) أي من كانت معروفة بالجمال عند الناس لا مطلق الجمال وخرجت من هذا الاستحباب إلى الجواز المرأة العادية أو المرأة الغير مشهورة بالجمال (أن تطوف وتسعى ليلا) أي أنه يحب لها الطواف في الليل (وإن طافت بالنهار سدلت على وجهها) أي أنه يحب لها إن طافت بالنهار أن تسدل على وجهها ثوبا.
وهذا الكلام خارج الصلاة .. وهو واضح في أن وجه المرأة ليس بعورة سواء في الصلاة أو غيرها.
وأما ما نقله الأخ الفاضل يوسف محمد عن الإمام الشافعي فشرحه كالآتي
(ويكون للمرأة إذا كانت بارزة) أي إذا كانت بارزة أمام الرجال (تريد الستر من الناس) أي أنها إذا أرادت التستر، وهذا يعني الجواز لا الحتم لأن الحتم لا يتم تعليق الحكم فيه بالإرادة أو عدمها.
فالشافعي يتحدث هنا عن إجازة السدل وليس عن وجوبه. وهو يعني أن الوجه ليس من العورة. وإنما يتكلم فقط عما إذا أرادت المرأة التستر من الناس في الحج، فإنها تسدل على وجهها ثوبا ولا تنتقب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
¥