مقال في تكفير تارك الصلاة تهاوناً وكسلاً وتحقيق مذاهب الأئمة في ذلك للشيخ عبدالرحمن الحجي
ـ[أبوخالد النجدي]ــــــــ[28 - 10 - 10, 10:27 ص]ـ
تبرئة أئمة الدين من مخالفة إجماع الصحابة السابقين
في
تكفير تارك الصلاة تهاونًا وكسلا
(وقفة مع الأسطورة الشهيرة القائلة: إن جمهور العلماء خالفوا إجماع الصحابة فلم يكفروا تارك الصلاة تهاونًا)
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،،،
فيقول القائل:
ومن صحب الدنيا طويلًا تقلبت
على عينه حتى يرى صدقها كذبا
كثيرًا ما يقرأ طلبة العلم منذ المائة الخامسة وما بعدها أن جمهور العلماء لا يكفرون تارك الصلاة تهاونًا ومنهم أئمة الحديث الثلاثة: مالك والشافعي وأحمد، ثم يقع هؤلاء الطلبة في حيرة والتباس إذا قرأوا أن الصحابة قد أجمعوا على كفر تارك الصلاة ثم خالف هؤلاء الأئمة إجماع الصحابة وهذه من المسائل المشكلة والمحيرة في الفقه.
ولكن بعد أن نثبت هنا إجماع الصحابة القاطع – وهو الإجماع الصحيح المنضبط وما سواه لا يمكن ضبطه ولا ادعاؤه – ثم نثبت الأقوال الثابتة لهؤلاء الأئمة؛ سيتبين أن تلك الدعوى ما هي إلا من الأساطير العارية عن الحجج والبينات والتي قد سارت بها الركبان لموافقتها لأهواء النفوس.
أولاً: إجماع الصحابة:
أول من حكى إجماع الصحابة هم الصحابة أنفسهم فألفاظهم تدل على عدم اختلافهم في ذلك وتعجبهم ممن يسأل عن ترك الصلاة أو يقرنه بغيره من الذنوب. والآثار في ذلك كثيرة موجودة في أبواب الإيمان في كتب العقائد منها: لما سئل جابر رضي الله عنه:هل في المصلين مشرك؟ قال لا، لم يكونوا يدعون في المصلين مشركاً. وقال له مجاهد بن جبر: ما كان يفرق بين الكفر والإيمان عندكم من الأعمال في عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ فقال مباشرة: الصلاة. ومثله عن ابن مسعود وحذيفة وأنس وغيرهم وقد قال عمر على المنبر وهم متوافرون (لا إسلام لمن لم يصل) وأعادها لما أحاطوا به بعد طعنه ولم ينكره أحد. فإن لم يصح هذا الإجماع فلا إجماع في الدنيا.
ثم حكى إجماع الصحابة طوائف من العلماء ومن أقوى ما ورد في حكاية إجماع الصحابة سنداً ومتناً ومكانة قائله ما رواه محمد بن نصر المروزي عن شيخه الإمام إسحاق بن راهويه في كتابه تعظيم قدر الصلاة ص (565) حيث قال "سمعت إسحاق يقول: قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة كافر وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا: أن تارك الصلاة عمداً من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر".
ثانياً: تحقيق مذاهب الأئمة في تكفير تارك الصلاة:
اشتهر عن الأئمة الثلاثة -مالك والشافعي وأحمد في رواية -أنهم لا يكفرون تارك الصلاة كسلاً. وهذا مخالف للحقيقة على النحو التالي
أولاً: مذهب الإمام مالك رحمه الله:
يعتبر «ابن أبي زيد القيرواني» هو جامع علم مالك وفتاواه حتى سمي «مالك الصغير» وعليه يعول المالكية في كتبهم، ولو لم يؤلف إلا كتابه العظيم «النوادر والزيادات» الذي جمع كل فتاوى مالك ومسائله مما لم يرد في الموطأ أو المدونة لكفاه.
ويوازيه في هذه المنزلة «البيهقي» عند الشافعية فهو جامع علم الشافعي وفتاواه.
«والخلال» عند الحنابلة فقد جمع مسائل أحمد وعلومه في جامعه من أكثر من مائة من أصحاب أحمد بينما لم يصلنا من هذه المسائل سوى عدد لا يبلغ أصابع اليدين، فعلى هؤلاء الثلاثة بنيت المذاهب الثلاثة، من حيث جمع المذهب وتحريره.
وقد ذكر أبو محمد بن أبي زيد القيرواني في آخر كتابه «النوادر والزيادات» مسألة كفر تارك الصلاة (14/ 537) فقال "قال ابن حبيب: وأما تارك الصلاة إذا أمره الإمام بها فقال: لا أصلي فليقتل ولا يؤخر إلى ما بينه وبين آخر ووقتها وهو بتركها كافر؛ تركها جاحدًا أو مفرطًا أو مضيعًا أو متهاونًا لقول النبي عليه الصلاة والسلام: «ليس بين العبد وبين الكفر إلا ترك الصلاة ... » ... وقاله كله مطرف وابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ ورواه ابن القاسم ومطرف عن مالك مجملاً بغير تلخيص.
¥