[::الترجيح:: ماهيته، محله، لغته، مناطاته (الشيخ يوسف الغفيص)]
ـ[أبو عبد الله التميمي]ــــــــ[08 - 12 - 10, 04:21 م]ـ
-1 -
الترجيح؛
القولُ فيه يقع في أربع جهات: الجهة الأولى: ماهية الترجيح. الجهة الثانية: محل الترجيح. الجهة الثالثة: لغة الترجيح. الجهة الرابعة: مناطات الترجيح.
الجهة الأولى: ماهية الترجيح: الترجيح هو: تقديم المحتمل الأقوى في النظر، أي: في نظر المستدل، فالماهية التي نتكلم عنها هنا هي الترجيح بين أقوال المختلفين، ولسنا نتكلم عن ماهية الحكم في نفس الأمر، ومن هنا قيل: إن ماهية الترجيح تقديم الأقوى، وإلا فإن الحكم في نفس الأمر واحد، وحتى من جهة الفعل، فإن المكلفين يعزمون بفعلهم الذي رأوا أنه الظاهر بحسب اختلاف أئمتهم ونحو ذلك.
الجهة الثانية: محل الترجيح: محلُّه هو الخلاف المعتبر، فخرج بقولنا: (الخلاف المعتبر) ما ليس معتبراً؛ كمخالفة الإجماع، فهذا لا يعد خلافاً معتبراً لو خالف به مخالف، وخرج بذلك أيضاً الخلاف الشاذ (وهو ما خالف ظواهرَ الأدلة والعامة من الأئمة، فما اجتمع فيه هذان الأمران: سُمي شاذاً)؛ لأن ما خالف الإجماع محله الإبطال، وما خالف العامة -وهو الشاذ- فمحله الترك والهجر.
(يتبع)
ـ[أبو عبد الله التميمي]ــــــــ[08 - 12 - 10, 04:24 م]ـ
-2 - الجهة الثالثة: لغة الترجيح: تستعمل في الترجيح لغةً تحفظ مقام الأدب مع الأئمة والضبط في المسألة؛ كقولك مثلاً: الراجح هو مذهب الشافعي، فأنت قد حفظت الأدب مع مخالف الشافعي كمالك مثلاً، وأيضاً حفظت الضبط في المسألة، فما جعلت المسألة مسألة يقينية في حقيقتها؛ بل جعلت للمخالف اعتباراً ولمخالفته كذلك.
وتدرأ لغة الترجيح عن طرد الاستعمال لكلمات تنافي مقام الأدب مع الأئمة، أو تنافي الضبط للمسألة، وقلت (طَرْد)؛ لأنك إذا نظرت في كلام المتقدمين من الأئمة كمالك و أحمد وغيرهم - وهذه قد يحتج بها البعض أحياناً - تجد أنهم قد يعبرون فيما هو من الخلاف المعتبر عن القول الآخر بعبارة أو بكلمة تأتي على مثل ذلك، كقول الإمام أحمد في بعض مسائله عن بعض الآراء التي انضبط أنها لأئمة: إن هذا القول محدث، كما سئل مثلاً عن مسألة القنوت في الفجر فقال: إن المحافظة على القنوت في صلاة الفجر أمر محدث. وكذلك يقول الإمام مالك عن صيام الست من شوال: إنه محدث، فأحياناً نجد أن بعض الأئمة قد يستعملون ذلك في بعض المسائل فيأخذونها بقدر من العزم والقوة، فهل هذا منهج مطرد عندهم؟ الجواب: لا، ولكن كثيراً من الأئمة المتقدمين كانوا في بعض المسائل الفقهية المعتبرة في الخلاف= يغلقون القول بمثل هذه الكلمات أحياناً؛ لقصد حماية جناب السنة؛ لأن البدع عند ذلك تظهر، ولذلك إذا استقرأنا هذه الأمثلة نجد أنها تأتي على هذا الوجه، فلما كان الإمام مالك - رحمه الله - يريد إغلاق باب مجانبة الهدي النبوي، والهدي المحفوظ المأثور، وبدأت البدع تظهر، صار يغلق كل مالم ينضبط عنده عن الأئمة القول به، مع أننا إذا رجعنا إلى مصر من الأمصار وجدنا أنهم يعرفون هذا القول الذي أغلقه مالك، ولذلك إذا قرأنا تمام قوله في مسألة صيام الست من شوال نجد أن مِن كلامه في الموطأ: أدركنا أهل العلم لا يعرفونه. فهو لم يغلق لتقوية رأيه على رأي غيره من نظرائه، إنما يغلق لقصد حفظ الهدي النبوي، وكذلك الإمام أحمد وغيرهم من الأئمة.
(يتبع)
ـ[أبو عبد الله التميمي]ــــــــ[08 - 12 - 10, 04:28 م]ـ
-3 -
الجهة الرابعة: مناطات الترجيح: المقصود بالكلام هنا إنما هو فقه المنهج للمناطات، فهنا مجموعة من المناطات، فهل هذه المناطات التي سنذكرها من الصواب أو من الغلط؟
من مناطات الترجيح: الترجيح بالأحوط، وهذه الطريقة كانت لبعض الفقهاء، وقد ذكر ابن تيمية - رحمه الله - عليها تعليقاً حسناً، وقال: إن هذا ليس من الأصول التي يصح طردها، فمثلاً: إذا سألته امرأة عن زكاة الحلي، وأن عندها حلياً فهل تزكيه أو لا تزكيه؟ ثم تذكر أن زوجها مثلاً - وهكذا تأتي أسئلة العامة - يقول: لا تزكي، ولا يمكنها من الزكاة، وإذا أرادت أن تزكي فليس عندها مال، فتضطر إلى أن تبيع بعض هذا الذهب برخص فتنزل قيمته ... إلخ، فإذا كان المجيب يرجح أن حلي النساء المستعمل فيه زكاة، فقال: يجب عليك أن تؤدي الزكاة؛ فهذه إجابة صحيحة، وهذا منطق لا إشكال عليه، لكن
¥