تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[تأصيل (غرامة التأخير) و (الشرط الجزائي) و (التعويض عن الضرر)]

ـ[موقع الملتقى الفقهي]ــــــــ[21 - 11 - 10, 11:30 م]ـ

تأصيل غرامة التأخير، والشرط الجزائي، والتعويض عن الضرر

نحن هنا نحاول تأصيل هذه الأمور الثلاثة: غرامة التأخير، والشرط الجزائي، والتعويض عن الضرر.

أولاً: غرامة التأخير:

تمهيد:

وقبل أن أخوض في غمار غرامة التأخير وتأصيلها نوضح موقف البنوك الإسلامية في التعامل مع غرامات التأخير.

وقد قام أحد البنوك الإسلامية التي كنت العضو التنفيذي لهيئته الشرعية بعمل استبيان وجرد لمواقف البنوك الإسلامية حول موضوع غرامات التأخير، فأرسل إلى أربعين بنكاً إسلامياً فكانت النتيجة أن البنوك الإٍسلامية ومن ورائها هيئاتها الشرعية أمام هذا الإجراء على قسمين، قسم لا يقبل بفرض هذه الغرامات، وقسم آخر غير قليل يقبل بل يفرض هذه الغرامات، وقد بلغ عدد البنوك الإٍسلامية التي تستعملها 12 بنكاً من بين 27 بنكاً [1]. هذا في عام 1999م أما الآن فعدد البنوك الإسلامية التي تستعمل غرامات التأخير تزيد بكثير، يكفي أن المصرفين الإسلاميين في قطر اللذين لم يكونا يستعملانها عام 1999 أصبحا اليوم يستعملانها بناء على فتوى هيئتها الشرعية.

والبنوك الإٍسلامية في فرضها غرامات التأخير ليست على سنن واحد، فتسعة بنوك إسلامية من ضمن (12) بنكاً تنص في عقودها على غرامات التأخير في حين أن ثلاثة منها لا تنص في عقودها، وإنما في ملاحق مستقلة، وأن خمسة منها تفرض نفس أسلوب احتساب الربح الأصلي، وسبعة منها تستعمل أساليب أخرى.

ثم إن معظم هذه البنوك التي تستعمل الأساليب لا تضيف هذه الأموال المأخوذة إلى أرباحها بل تصرفها في وجوه الخير، حيث وصل عددها إلى ثمانية بنوك من بين (12) بنكاً، بينما تضيف الأربعة الأخرى هذه الأموال المأخوذة بسبب التأخير إلى أرباحها.

وقد رأينا البحث السابق قد توصل إلى نتيجة مهمة جداً وهي أن فرض غرامة التأخير لم يقض على المشكلة بل زاد حرجاً للبنوك الإسلامية وكلاماً وقيل وقال وأنه يجب البحث عن آلية معينة لتقليل ظاهرة المتأخرات، أو القضاء عليها.

كما توصل البحث إلى أن اختلاف هيئات الرقابة الشرعية في حكم غرامة التأخير أحدث نوعاً من البلبلة.

التأصيل الفقهي لغرامة التأخير على الديون المتأخرة:

الغرامة لغة من غرِم ـ بكسر الراء ـ غرماً وغرامة أي لزمه ما لا يجب عليه، ويقال: أغرمه أي جعله غارماً، وأُغرم بالشيء أي أولع به، وغرّمه أي ألزمه تأدية الغرامة، والغرامة: الخسارة، وفي المال: ما يلزم أداؤه تأديباً أو تعويضاً، يقال: حكم القاضي على فلان بالغرامة (محدثة) [2].

والغرامة في الشريعة والقانون عقوبة جنائية تفرضها الدولة أو المحاكم لصالح الخزانة العامة.

ففي القانون تعتبر الغرامة عقوبة جنائية دون شك ولا خلاف في صفتها الجنائية في مرحلتي التهديد بها وتوقيعها، ولكن معظم القانونيين في فرنسا ذهبوا إلى تكييف الغرامة بعد الحكم بها حكماً نهائياً على أساس الدين المدني للدولة أو الدين العام لصالح الدولة في مواجهة المحكوم عليه كدين الضريبة، وذلك حتى تتمكن الدولة من تحصيلها من الورثة بعد وفاة المحكوم عليه في حدود تركته، ولكن هذا الاتجاه لم يقبل به الآخرون، وذلك لأن الغرامة عقوبة جنائية خالصة تستهدف أغراضاً معينة كالزجر والتخويف لا يتحقق إلاّ بتوقيعها على من ارتكب الفعل المعاقب عليه، كما أنه لا توجد مصلحة للمجتمع في توقيع العقوبة على أفراد أبرياء لا علاقة لهم بالجريمة وهم ورثة المحكوم عليه، فالغرامة باعتبارها عقوبة تتحقق بحرمان المحكوم عليه من جزء من ذمته المالية، وإحداث ألم له بهذا الحرمان، وأما إثراء الخزينة العامة فهو نتيجة تبعية ليست مقصودة لذاتها، فلا يجوز جعلها الأصل ومن هنا فالغرامة عقوبة جنائية في جميع مراحلها، وجزاء جنائي تتوافر فيها جميع أركان العقوبة، وعناصر الجزاء الجنائي، فهي جزاء توقعه الدولة بمالها من سلطة العقاب على الأفراد دون غيرها، وأن الدولة وحدها هي التي تتولى إقامة الدعوى بتطبيق الغرامة ـ ما عدا بعض استثناءات ـ وأن حصيلة الغرامات تذهب إلى خزينة الدولة، ولا تكون من نصيب الطرف المضرور، وهذا ما نصت عليه معظم القوانين في العالم، وأن الغرامة جزاء لفعل غير مشروع جنائياً وبالتالي تخضع لمبدأ:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير