أن معاقبة المدين المماطل لا تزيل الضرر الذي لحق الدائن، ولذلك يبقى له الحق في التعويض المالي وفقاً لقاعدة " الضرر يزال ".
إن المدين المماطل إذا لم يلزم شرعاً بالتعويض المالي يؤدي ذلك إلى المساواة في النتيجة بينه وبين المدين العادل المؤدي، فكيف يستوي الظالم والعادل؟
ولا يقال: إن المماطل ينال عقابه يوم القيامة، كما أن الثواب يناله العادل؛ وذلك لأن الشريعة الإسلامية لم تكتف بالجزاء الأخروي في حقوق العباد، بل جعلت لها حماية وضوامن قضائية. ثم قاس المدين المماطل على الغاصب لعين مالية من حيث إن منافع العين المغصوبة مضمونة عليه [72].
وأفاض الشيخ عبدالله بن منيع في استعراض الأدلة والنصوص الدالة على هذا الرأي يمكن تلخيصها فيما يأتي:
أولاً: أن مطل المدين الغني القادر على الأداء ظلم باعتباره عدواناً وتجاوزاً على حقوق الآخرين، ثم أورد النصوص الدالة على حرمة مال المسلم، وعلىأن مطل لاغني ظلم موجب للعقوبة البدنية من الحبس والإيذاء. كما استعرض نقولاً من الفقهاء وشراح الحديث حول الموضوع نفسه.
ثانياً: جواز العقوبة المالية، أو العقوبة بالمال، أو التعزير بالمال، وذكر في ذلك اختلاف الفقهاء بين المانعين وهم الجمهور والمجيزين وهم الأقلية من بينهم ابن تيمية، وابن القيم.
جواب وتوضيح:
من الجدير بالذكر أن الأمر الأول محل اتفاق ولكنه لا يلزم منه أبداً جواز اشتراط التعويض المالي لصالح الدائن بسبب المطل، وأما الأمر الثاني فعلى الرغم من أنه مختلف فيه، ومع ذلك لا يلزم منه جواز اشتراط التعويض المالي لصالح الدائن، لأن العقوبات (ومنها التعزير) تعود صلاحية فرضها وتقديرها إلى الدولة ومؤسساتها القضائية، وأن الغرامة المالية الناتجة منها لا تكون لصالح الأفراد بل لصالح خزينة الدولة ـ كما سبق ـ.
ثالثاً: التعويض عن المنافع الفائتة أو المنافع المتوقع فواتها جائز، وذكر هنا نقلاً عن شيخ الإسلام ابن تيمية قوله في الاختيارات: (ومن مطل صاحب الحق حقه حتى أحوجه إلى الشكاية فما غرمه بسبب ذلك فهو على الظالم المماطل إذا كان غرمه على الوجه المعتاد) وقوله: (لو غرم بسبب كذب عليه عند لي الأمر رجع به على الكاذب) ثم نقل عن صاحب الإنصاف نحوه، كما نقل فتوى الشيخ محمد بن إبراهيم بصدد ما غرمه الدائن بسبب الشكاية على المدين.
وعند التدبر في هذه النقول نجد انها لا تدل على المقصود، فهذه من المصاريف التي تكبدها الدائن فعلاً، وكلامنا في اشتراط التعويض عن الأرباح المتوقعة التي فاتت على الدائن بسبب المماطلة، وشتان الفرق بين الحالتين.
كما ذكر الشيخ فتوى هيئة كبار العلماء في الشرط الجزائي، ولكن هذه الفتوى في الشرط الجزائي على العمل والتنفيذ، حيث جاء فيها: (وبتطبيق الشرط الجزائي عليها ت الحالة المذكورة ـ وظهور انه من الشروط التي تعتبر من مصلحة العقد، إذ هو حافز لاكمال العقد في وقته المحدد له ….وفضلاً عن ذلك فهو في مقابلة الإخلال بالالتزام، حيث إن الاخلال به مظنة الضرر وتفويت المنافع.… .. ). ولذلك لا أرى أن هذه الفتوى تشمل الحالة التي نحن بصددها.
رابعاً: قياساً على بيع العربون وهو كما قال أن يشتري السلعة فيدفع فيها البائع درهماً أو عدة دراهم على أنه إن أخذ السلعة احتسب من الثمن وإن لم يأخذها فذلك للبائع…. قال أحمد لا بأس به، وفعله عمر رضي الله عنه وأجازه ابن عمر .. [73].
وبما أن العربون صدر بجوازه قرار رقم 72 (3/ 8) من مجمع الفقه الإسلامي الدولي فإنني لا أناقش جوازه، ولكن أناقشه في القياس حيث قال الشيخ اشتراط التعويض عن الضرر بسبب المطل في الدين على بيع العربون بجامع تفويت المنفعة، حيث قال: (ومثل ذلك مسألة بيع العربون، فإن المشتري يبذل مبلغاً من مقدماً بعد تمام عقد الشراء على أن يكون له الخيار مدة معلومة، فإن قرر إمضاء الشراء صار العربون جزءاً من الثمن، وإن قرر العدول عن الشراء صار العربون مستحقاً للبائع في مقابلة عدم تمكنه من عرض بضاعته للبيع بعد ارتباطه مع المشتري بعقد البيع المعلق إمضاؤه على الخيار للمشتري مدة معلومة، ووجه استحقاق البائع للعربون: أنه في مقابلة تفويت فرص بيع هذه السلعة بثمن فيه غبطة ومصلحة للبائع …).
وهذا القياس مع الفارق لعدة وجوه من أهمها:
¥