تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والروايات التي فيها ذكر ختان الإناث أشهرها حديث امرأة كانت تسمى: أم عطية، وكانت، تقوم بختان الإناث في المدينة المنورة، زعموا أن النبى r قال لها: " يا أم عطية: أشمي ولا تنهكي، فإنه أسرى للوجه وأحظى عند الزوج ". وهذا الحديث رواه الحكم والبيهقي وأبو داوود بألفاظ متقاربة، وكلهم رووه بأسانيد ضعيفة كما بين ذلك الحافظ زين الدين العراقي في تعليقه على إحياء علوم الدين للغزالي [1/ 148].

وقد عقب أبو داوود- والنص المروي عنده مختلف لفظه عن النص السابق- على هذا الحديث بقوله " روي عن عبيد الله بن عمرو عن عبد الملك بمعناه وإسناده. وليس هو بالقوي، وقد روي مرسلاً ... وهذا الحديث ضعيف " [سنن أبى داوود مع شرحها عون المعبود،13/ 135 ــ 126.

وقد جمع بعض المعاصرين طرق هذا الحديت، وكلها طرق ضعيفة لا تقوم بها حجة حتى قال أخونا العلامة الدكتور محمد الصباغ في رسالته عن ختان الإناث:

" فانظر رعاك الله إلى هذين الإمامين الجليلين أبي داود والعراقي وكيف "حكما عليه بالضعف، ولا تلتفت إلى من صححه من المتأخرين ".

فحديث أم عطية- إذن- بكل طرقه لا خير فيه ولا حجة تستفاد. منه. ولو فرضنا صحته جدلاً، فإن التوجيه الوارد فيه لا يتضمن أمراً بختان البنات، وإنما يتضمن تحديد كيفية هذا الختان إن وقع، وأنها (إشمام) وصفه العلماء بأنه كإشمام الطيب، يعنى أخذ جزء يسير لا يكاد يحس من الجزء الظاهر من موضع الختان وهو الجلدة التي تسمى " القلفة وهو كما قال الإمام الماوردي: " ... قكل هذه الجلدة المستعملية دون استئصالها وهو كما قال الإمام النووي: " قطع أدنى جزء مها ". فالمسالة مسألة طبية دقيقة تحتاج إلى جراح متخصص يستطيع تحديد هذا " الجزء المستعلي " الذي هو " أدنى جزء منها "، ولا يمكن أن تتم لو صح جوازها- على أيدي الأطباء العاديين أن فضلاً عن غير المتخصصين في الجراحة من أمثال القابلات والدايات وحلاقي الصحة ... إلخ، كما هو الواقع في بلادنا وغيرها من البلاد التي تجرى فيها هذه العملية الشنيعة للفتيات.

والحديث الثاني الذي يوازي في الشهرة حديث أم عطية هو ما يروى أن النبي r قال: " الختان سنة للرجال مكرمة للنساء ". وقد نص الحافظ العراقي في تعليقه على إحياء علوم الدين على ضعفه أيضاً. ولذلك- ولغيره- قال العلامة الشيخ سيد سابق في فقه السنة: " أحاديث الأمر بختان المرأة ضعيفة لم يصح منها شيء " [1/ 33].

وقد نص الحافظ ابن حجر في كتابه: تلخيص الحبير في تخريم ة أحاديث الرافعي الكبير، على ضعف هذا الحديث، ونقل قول الإمام البيهقي فيه. إنه، ضعيف منقطع.

وقول ابن عبد البر في [التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد] إنه يدور على رواية راوٍ لا يحتج به [عون المعبود في شرح سنن أبي داوود لشمس الحق العظيم آبادي، 14/ 124].

وكلام الحافظ أبي عمر ابن عبد البر في كتابه المذكور نصه: " واحتج من جعل الختان سنة بحديث أبي المليح هذا، وهو يدور على حجاج بن أرطاة، و ليس ممن يحتج بما انفرد به، والذي أجمع المسلمون عليه: الختان في الرجال… " [تمهيد لما في الموطأ المعاني والأسانيد، 21/ 59].

وعلى ذلك فليس في هذا النص حجة، لأنة نص ضعيف، مداره على راو لايحتج بروايته، فكيف يؤخذ منه حكم شرعي بأن أمراً معيناً من السنة أو من المكرمات وأقل أحوالها أن تكون مستحبة، والاستحباب حكم شرعي لا يثبت، إلا بدليل صحيح.

ولا يرد على ذلك بأن لهذا الحديث شاهداً أو شواهد من حديث أم عطية السابق

ذكره، فإن جميع الشواهد التي أوردها بعض من ذهب إلى صحته، معلولة بعلل قادحة

فيها، مانعة من الاحتجاج بها.

وعلى الفرض الجدلي أن الحديث صحيح- وهو ليس كذلك- فإنه ليس فيه التسوية بين ختان الذكور وختان الإناث في الحكم. بل فيه التصريح بأن ختان الإناث ليس بسنة، وإنما هو في مرتبة دونها. وكأن الإسلام حين جاء وبعض العرب يختنون الإناث أراد تهذيب هذه العادة بوصف الكيفية البالغة منتهى الدقة، الرقيقة غاية الرقة، بلفظ " (أشمى ولا تنهكى) الذي في الرواية الضعيفة الأولى، وأراد تبيين أنه ليس من أحكام الدين ولكنه من أعراف الناس بذكر أنه (سنة للرجال ... ) - وهي [أي السنة]، هنا بمعنى العادة لا بالمعنى الأصولي للكلمة- في الرواية الضعيفة الثانية.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير