ولا تحتمل الروايتان على الفرض الجدلي بصحتهما تأويلاً سائغاً فوق هذا. ولو أراد النبي r التسوية بين الرجال والنساء لقال: "إن الختان سنة الرجال والنساء "، أو لقال " الختان سنة " وسكت؟ فإنه عندئذ يكون تشريعاً عاماً ما لم يقم دليل على خصوصيته ببعض دون بعض. أما وقد فرق بينهما في اللفظ- لو صحت الرواية- فإن الحكم يكون مختلفاً، وكونه سنة- بالمعنى الأعم لهذه الكلمة ــ يكون في حق الرجال فحسب. وهذا هو ما فهمه الإمام ابن عبد البر القرطبى حين. عرض بالذين قالوا إنه " سنة " لاعتمادهم تلك الرواية الضعيفة وبين أن الإجماع منعقد على ختان الرجال.
ولمثل هذا الفهم قال الإمام ابن المنذر " ليس في الختان خبر يرجع إليه ولا سنة تتبع " [نقله عنه: شمس الحق العظيم آبادي في شرحه لسنن أبي داوود، 14/ 126].
وقال الإمام الشوكاني: " ومع كون الحديث لا يصلح للاحتجاج به فهو لا حجة فيه على المطلوب " [نيل الأوطار،1/ 139].
في بعض ما نشير مؤخراً في مصر حول هذا الموضوع، في ذكر امرأة سموها (أم حبيبة)، وذكر حديث لها في هذا الشأن مع النبي r. وهذا الحديث لا يوجد في كتب السنة وليس هناك ذكر فيها لامرأة بهذا الاسم كانت تقوم بهذا العمل. فكلامهم هذا لا حجة فيه، بل لا أصل له ..
وقد احتجوا بحديث روي عن عبد الله بن عمر، فيه خطاب لنساء الأنصار مرهن بالختان. وهو حديث ضعيف كما في المصدر الذي نقلوه منه نفسه [نيل الأوطار للشوكاني، ج1، ص 139 حيث يقول: في إسناد أبي نعيم- أحد مخرجيه- مندل بن علي وهو ضعيف وفي إسناد ابن عدي خالد بن عمر، القرشى وهو أضعف من مندل!]. فلا حجة لأحد في هذا الأمر المزعوم كذلك.
" وفي السنة الصحيح عن عائشة رضى الله عنها- مرفوعاً إلى رسول الله r وموقوفاً على عائشة- حديث يروى بألفاظ متقاربة تفيد أنه: " إذ التقى الختانان فقد وجب الغسل " روى هذا الحديث مالك في الموطأ، ومسلم في صحيحه، والترمذي وابن ماجة في سننهما، وغيرهم من أصحاب مدونات الحديث النبوي.
وموضع الشاهد هنا قوله r: " الختانان " إذ فيه تصريح بموضع ختان الرجل والمرأة، مما قد يراه بعضا الناس حجة على مشروعية ختان النساء.
ولا حجة في هذا الحديث الصحيح على ذلك. لأن اللفظ هنا جاء من باب تسمية الشيئين أو الشخصين أو الأمرين باسم الأشهر منهما، أو باسم أحدهما على سبيل التغليب. ومن ذلك كلمات كثيرة في صحيح اللغة العربية منها العمران (أبو بكر عمر)، والقمران (الشمس والقمر) والنيران (هما أيضاً، وليس في القمر نور بل انعكاس نور الشمس عليه) والعشاءان (المغرب والعشاء) والظهران (الظهر، العصر)، والعرب تغلب الأقوى والأقدر في التثنية عادة ولذلك، قالوا للوالدين: (الأبوان) وهما أب وأم. وقد يغلبون الأخف نطقاً في العمرين لأبي بكر وعمر).
أو الأعظم شأناً كما في قوله تعالى:) وما يستوي البحران هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج (فالأول النهر والثاني البحر الحقيقي، وقد يغلبون الأنثى في هذه التثنية ومن ذلك قولهم: (المروتان) يريدون جبلي الصفا والمروة في مكة المكرمة. وكل ذلك مشهور معروف عند أهل العلم بلسان العرب [من المراجع المشهورة بين أيدي الطلاب في هذا المعنى: النحو الوافي لعباس حسن، 1/ 118 - 119].
وهكذا يتبين أن السنة الصحيحة لا حجة فيها على مشروعية ختان الأنثى. وأن ما يحتج به من أحاديث الختان للإناث كلها ضعيفة لا يستفاد منها حكم شرعي. وأن الأمر لا يعدو أن يكون عادة من العادات، ترك الإسلام للزمن ولتقدم العلم الطبي أمر تهذيبياً أو إبطالها.
وبقي أن نذكر الداعين إلى ختان الإناث، والظانين أنه من الشرع، أن هذا الختان الذي نتحدث عنه ليس معنى مجرداً نظرياً يجوز أن يتجادل فيه الناس حول الصحة والفساد العقليين، وإنما هو عادة سائدة تدل الإحصاءات المصرية المنشورة على أن 95% من الإناث المصريات تجرى لهن عملية الختان [حقائق علمية حول ختان الإناث، الجمعية المصرية للوقاية من الممارسات الضارة بصحة المرأة والطفل، ص 11، ط 1993]. وهى تجرى بإحدى صور ثلاث كلها تخالف ما يدعو المؤيدون لختان الإناث إلى اتباعه فيها.
¥