محدثاتها " وهذا منها. وقال عليه الصلاة والسلام: " كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة ".
وقد سمى الأئمة هذا بدعة بما ذكرناه.
فأما تفصيل هذه المسموعات من الدف والشبابة وسماع كل واحد منهما منفرداً: فإن هذه جميعها من اللعب، فمن جعلها دأبه أو اشتهر بفعلها أو استماعها أو قصدها في مواضعها أو قصد من أجلها فهو ساقط المروءة، ولا تقبل شهادته، ولا يعد من أهل العدالة، وكذلك الرقاص.
وأغلظها الشبابة، فإنه قد روي فيها الحديث الذي يرويه سليمان بن موسى عن نافع قال: كنت مع ابن عمر في طريق فسمع صوت زامر يرعى، فعدل عن الطريق وأدخل اصبعيه في اذنيه ثم قال: يا نافع، هل تسمع؟ هل تسمع؟ قلت: نعم، فمضى ثم قال: يا نافع، هل تسمع؟ قلت: لا، فأخرج يديه من اذنيه، قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل. رواه الخلال في " جامعه " عن عوف بن محمد المصري عن مروان الطاطري عن سعيد بن عبد العزيز عن سليمان بن موسى. ورواه أيضاً عن عثمان بن صالح الانطاكي عن محمود بن خالد عن أبيه عن المطعم بن المقدام عن نافع.
وسئل أحمد عن هذا الحديث، فقال: يرويه سليمان ابن موسى عن نافع عن ابن عمر.
وهذا مبالغة من النبي صلى الله عليه وسلم في تحريمه، لسد أذنيه وعدوله عن الطريق ولم يكتف بأحدهما عن الآخر.
ولأنها من المزامير، وما بلغنا عن أحد من العلماء الرخصة في المزمار، فهي كالطنبور، بل هي أغلظ، فانه ورد فيها ما لم يرد فيه.
وأما الغناء فقد اختلف العلماء فيه. وكان أهل المدينة يرخصون فيه، وخالفهم كثير من أهل العلم، وعابوا قولهم.
قال عبد الله بن مسعود: " الغناء ينبت النفاق في القلب ". وقال مكحول: " من مات وعنده مغنية لم يصل عليه ". وقال معمر: " لو أن رجلا أخذ بقول أهل المدينة في السماع - يعني الغنا -، واتيان النساء في ادبارهن - وبقول أهل مكة في المتعة والصرف، وبقول أهل الكوفة في المسكر، كان شر عباد الله ".
وسئل مالك بن أنس عما يترخص فيه أهل المدينة من الغناء فقال: " إنما يفعله عندنا الفساق "، وكذلك قال ابراهيم بن المنذر الخزامي.
وعلى كل حال فهو مكروه وليس من شأن أهل الدين.
فأما فعله في المساجد فلا يجوز، فان المساجد لم تبن لهذا. ويجب صونها عما هو أدنى منه، فكيف بهذا الذي هو شعار الفساق ومنبت النفاق؟!
وأما الدف فهو أسهل هذه الخصال. وقد أمر به النبي صلى الله عليه وسلم في النكاح وجاءت الرخصة فيه في غير النكاح أيضاً. ولا يتبين لي تحريمه إلا ان يكون الضارب به رجلا يتشبه بالنساء، فيحرم لما فيه من تشبه الرجال بالنساء. أو يضرب به عند الميت، فيكون ذلك إظهاراً للسخط بقضاء الله والمحاربة له، فأما إن خلا من ذلك فلست أراه حراماً بحال.
وقد كام أصحاب عبد الله بن مسعود يخرقون الدفوف ويشددون فيها، وذكر أحمد عنهم ولم يذهب اليه، لأن السنة وردت بالرخصة فيه، وهي أحق ما اتبع.
فقد روي عن عياض بن غنم صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم - وقد شهد عيداً بالانبار - فقال: ما أراكم تقلسون؟ كانوا يقلسون في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلونه. قال يزيد بن هارون: التقليس: ضرب الدف.
وقال أنس بن مالك: مر النبي صلى الله عليه وسلم بجوار من بني نجار وهن يضربن بدف لهن وهن يقلن:
نحن جوار من بني النجار وحبذا محمد من جار
فقال: " الله يعلم اني أحبكم ".
وروي ان امرأة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: إني نذرت إن سلمك الله ان أضرب على رأسك بالدف، فقال: " إن كنت نذرت فافعلي وإلا فلا " أو كما جاء.
وفي الجملة فانه وإن رخص فيه للاعب، فإنا نعتقده لعباً ولهواً.
فأما من يجعله دينا، ويجعل استماعه واستماع الغناء قربة وطريقاً إلى الله سبحانه، فلا يكاد يوصله ذلك إلا إلى سخط الله ومقته وربما انضم إلى ذلك النظر إلى النساء المحرمات أو غلام جميل يسلبه دينه، ويفتن قلبه، ويخالف ربه في قوله سبحانه {وقل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم} فكان دليلاً على تسامحه في المخالفة لقوله {ويحفظوا فروجهم} ولم يكن ذلك أزكى لهم. ومن ابتلي بمخالفة أول الآية فليبادر إلى العمل بآخرها {وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون}.
¥