تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فالمقصود حينئذ لم يحصل والمطلوب بالبقاء على اللغة العربية لم يتحقق، وبذلك يظهر للمتأمل أن القول بجواز ترجمة الخطب باللغات السائدة بين المخاطبين الذين يعقلون بها الكلام ويفهمون بها المراد أولى وأحق بالاتباع، ولا سيما إذا كان عدم الترجمة يفضي إلى النزاع والخصام؛ فلا شك أن الترجمة والحالة هذه متعينة لحصول المصلحة بها وزوال المفسدة.

وإذا كان في المخاطبين من يعرف اللغة العربية؛ فالمشروع للخطيب أن يجمع بين اللغتين فيخطب باللغة العربية، ويترجمها باللغة الأخرى التي يفهمها الآخرون.

وبذلك يجمع بين المصلحتين، وتنتفي المضرة كلها وينقطع النزاع بين المخاطبين.

ويدل على ذلك من الشرع المطهر أدلة كثيرة منها:

ما تقدم وهو أن المقصود من الخطبة نفع المخاطبين وتذكيرهم بحق الله، ودعوتهم إليه وتحذيرهم مما نهى الله عنه، ولا يحصل ذلك إلا بلغتهم.

ومنها: أن الله سبحانه إنما أرسل الرسل عليهم السلام بألسنة قومهم؛ ليفهموهم مراد الله سبحانه بلغاتهم، كما قال سبحانه وتعالى: ((وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) وقال سبحانه وتعالى: ((كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)).

وكيف يمكن إخراجهم به من الظلمات إلى النور وهم لا يعرفون معناه ولا يفهمون مراد الله منه.

فعلم أنه لا بد من ترجمة تبين المراد وتوضح لهم حق الله سبحانه إذا لم يتيسر لهم تعلم لغته والعناية بها.

ومن ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر زيد بن ثابت رضي الله عنه أن يتعلم لغة اليهود ليكاتبهم بها ويقيم عليهم الحجة، كما يقرأ كتبهم إذا وردت ويوضح للنبي صلى الله عليه وسلم مرادهم.

ومن ذلك أن الصحابة رضي الله عنهم لما غزوا بلاد العجم من فارس والروم لم يقاتلوهم حتى دعوهم إلى الإسلام بواسطة المترجمين.

ولما فتحوا البلاد العجمية دعوا الناس إلى الله سبحانه باللغة العربية، وأمروا الناس بتعلمها، ومن جهلها منهم دعوه بلغته، وأفهموه المراد باللغة التي يفهمها؛ فقامت بذلك الحجة، وانقطعت المعذرة.

ولا شك أن هذا السبيل لا بد منه، ولا سيما في آخر الزمان، وعند غربة الإسلام، وتمسك كل قبيل بلغته؛ فإن الحاجة للترجمة ضرورية ولا يتم للداعي دعوة إلا بذلك.

وأسأل الله أن يوفق المسلمين أينما كانوا للفقه في دينه، والتمسك بشريعته، والاستقامة عليها، وأن يصلح ولاة أمرهم، وأن ينصر دينه، ويخذل أعداءه؛ إنه جواد كريم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وصلى الله على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

@ وسُئل الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله [فتاوى أركان الإسلام (ص/393)]: ما حكم الخطبة بغير اللغة العربية؟

• فأجاب رحمه الله بقوله: " الصحيح في هذه المسألة أنه لا يجوز لخطيب الجمعة أن يخطب باللسان الذي لا يفهم الحاضرون غيره.

فإذا كان هؤلاء القوم مثلاً ليسوا بعرب، ولا يعفون اللغة العربية؛ فإنه يخطب بلسانهم؛ لأنَّ هذا هو وسيلة البيان لهم.

والمقصود من الخطبة هو بيان حدود الله سبحانه وتعالى للعباد، ووعظهم وإرشادهم.

إلاَّ أن الآيات القرآنية يجب أن تكون باللغة العربية، ثم تفسّر بلغة القوم، ويدلُّ على أنه يخطب بلسان القوم ولغتهم قوله تعالى: ((وما أرسلنا من رسولٍ إلاَّ بلسان قومه ليبين لهم)) [إبراهيم: 4].

فبيَّن الله تعالى أن وسيلة البيان إنما تكون باللسان الذي يفهمه المخاطَبون ".

وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،،،

ـ[أبو عمر السمرقندي]ــــــــ[07 - 12 - 03, 02:17 ص]ـ

- وأما مذاهب الفقهاء في هذه المسألة فعلى النحو التالي ((باختصار)):

(1): القول الأول: أن إلقاء خطبة الجمعة باللغة العربية شرط من شروط صحتها، سواء ذلك مع العجز او القدرة.

- القائلون به: وهو قول المالكية (*)

(2): القول الثاني: أنَّ إلقاء خطبة الجمعة باللغة العربية ليس شرطاً من شروط صحتها، سواء ذلك مع العجز أو القدرة

- القائلون به: وهو قول الحنفية، وبه قال بعض الشافعية والحنابلة (**)

(3): القول الثالث: أنَّ إلقاء خطبة الجمعة باللغة العربية شرط من شروط صحتها حال القدرة، ويسقط بالعجز.

- القائلون به: وهو قول محمد بن الحسن وأبي يوسف صاحبي أبي حنيفة، وهو المشهور من مذهب الحنابلة، والمصحح من مذهب الشافعية ( ... )


(*): انظر: حاشية الدسوقي (1/ 592)، وحاشية العدوي (1/ 331).
(**): انظر: شرح فتح القدير (1/ 290)، حاشية ابن عابدين (2/ 184)، المجموع (4/ 391)، تحفة المحتاج (3/ 353)، الإنصاف (5/ 219).
( ... ): انظر: شرح فتح القدير (1/ 290)، المجموع (4/ 391)، العزيز (2/ 285)، الإنصاف (5/ 219)، الإقناع (1/ 178)، معونة أولي النهى (2/ 294).
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير