القول الثاني: التفصيل بين أن يكون ذلك الفعل مما لا يخفى غالباً فهو مرفوع وإلا فهو موقوف قطع بذلك الشيخ أبو إسحاق وغيره. وقيل أما إذا كان في القصة اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم فلا شك في رفعه.
القول الثالث: إذا ذكره الصحابي في معرض الحجة حمل على الرفع وإلا فهو موقوف حكاه القرطبي في أصوله.
أما سؤالك: أن ابن عمر كان يفعل كذا يقصد في الأمور التعبدية هل يأخذ حكم المرفوع أم لا.
أقول: هو لا شك موقوف لأنه من فعل الصحابي وليس فيه ما يدل على رفعه ولكن أهل العلم يستأنسون بفعل ابن عمر ذلك لأنه كان من الذين يتحرون الأثر ويلتزمون به أشد الإلتزام.
وأما سؤالك عن تفسير الصحابي فإنه يكون مرفوعاً في حال كونه في سبب نزول آية كما هو في المثال الذي أوردته، وأما إذا كان في غير ذلك فلا يعتبر من الأحاديث المرفوعة وذهب الزركشي إلى أن تفسير الصحابي إذا كان مما لا مجال للاجتهاد فيه فهو في حكم المرفوع وإن كان يمكن أن يدخله الاجتهاد فلا يحكم برفعه.
- وفي سنن أبي داود:
6 - حديث ميمونه عن ((فأرة السمن)) جاء مرة مرفوعاً متصلاً، مرة أخرى عن الزهري مرسلاً وأورده المزي في المراسيل ـ في مسند ميمونة في التحفة، فما موقفه وأمثاله من الأحاديث التي نقف على سند متصل مرفوع لها.
ج/ إن الحَدِيْث إذ روي مرسلاً مرة، وروي مرة أخرى موصولاً، فهذا يعد من الأمور الَّتِي تعلُّ بِهَا بَعْض الأحاديث، ومن العلماء من لا يعدُّ ذَلِكَ علة، وتفصيل الأقوال في ذَلِكَ عَلَى النحو الآتي:
القَوْل الأول: ترجيح الرِّوَايَة الموصولة عَلَى الرِّوَايَة المرسلة؛ لأَنَّهُ من قبيل زيادة الثِّقَة.
القَوْل الثَّانِي: ترجيح الرِّوَايَة المرسلة.
القَوْل الثَّالِث: الترجيح للأحفظ.
القَوْل الرابع: الاعتبار لأكثر الرواة عدداً.
القَوْل الخامس: التساوي بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ و التوقف.
هَذَا ما وجدته من أقوال لأهل العِلْم في هذِهِ المسألة، وَهِيَ أقوال متباينةٌ مختلفة، وَقَدْ أمعنت النظر في صنيع المتقدمين أصحاب القرون الأولى، وأجلت النظر كثيراً في أحكامهم عَلَى الأحاديث الَّتِي اختلف في وصلها وإرسالها، فوجدت بوناً شاسعاً بَيْنَ قَوْل المتأخرين وصنيع المتقدمين، إذ إن المتقدمين لا يحكمون عَلَى الحَدِيْث أول وهلة، وَلَمْ يجعلوا ذَلِكَ تَحْتَ قاعدة كلية تطرد عَلَيْهَا جَمِيْع الاختلافات، وَقَدْ ظهر لي من خلال دراسة مجموعة من الأحاديث الَّتِي اختلف في وصلها وإرسالها: أن الترجيح لا يندرج تَحْتَ قاعدة كلية، لَكِنْ يختلف الحال حسب المرجحات والقرائن، فتارة ترجح الرِّوَايَة المرسلة وتارة ترجح الرِّوَايَة الموصولة. وهذه المرجحات كثيرة يعرفها من اشتغل بالحديث دراية ورواية وأكثر التصحيح و التعليل، وحفظ جملة كبيرة من الأحاديث، وتمكن في علم الرِّجَال وعرف دقائق هَذَا الفن وخفاياه حَتَّى صار الحَدِيْث أمراً ملازماً لَهُ مختلطاً بدمه ولحمه.
ومن المرجحات: مزيد الحفظ، وكثرة العدد، وطول الملازمة للشيخ. وَقَدْ يختلف جهابذة الحديث في الحكم عَلَى حَدِيث من الأحاديث، فمنهم: من يرجح الرِّوَايَة المرسلة، ومنهم: من يرجح الرِّوَايَة الموصولة، ومنهم: من يتوقف.
- حديث رقم 23 من طبعة الدكتور بشار في الموطأ ـ وحدثني عن مالك ـ عن يحيى بن سعيد أنه كان يقول إن المصلي ليصلي الصلاة وما فاته ...
والأثر مقطوع كما هو الظاهر ـ وفي الحاشية قال ابن عبد البر (في التمهيد) وهذا موقوف في الموطأ ويستحيل أن يكون مثل رأيه، فكيف وقد روى مرفوعا بإسناد ليس بالقوى.
ثم نقل من طريق عبد الرحمن بن القاسم أن مالكاً لم يكن يعجبه قول يحيى بن سعيد هذا (التمهيد 24/ 75) فإذا كان الأمر كذلك وكان له حكم الرفع فكيف يسمع الإمام مالك إنكاره؟
¥