تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن قواعد هذا المبدأ ومسلماته: أن التعويض في كل فعل ضار يجب أن يكون بقدر الضرر المباشر الحاصل للمضرور. وانطلاقًا من هذا المبدأ، خلال مناقشاتنا في باكستان حول مشروع قانون القصاص والديات إذ ذاك، طرحنا على جميع الفئات السؤال التالي: هل في واقع الحياة الاجتماعية والاقتصادية في جميع البلاد حتى في أمريكا وأوروبا، في الحالات العادية بوجه عام، من الناحية المادية، يكون ضرر الأسرة بفقد ربها هو الضرر الأكبر، أو بفقد ربتها؟ فكان الجواب من جميع الفئات أن فقدان رب الأسرة هو الأعظم ضررًا عليها، حتى في البلاد التي يتساوى فيها الرجل والمرأة في جميع الحقوق والميادين؛ ذلك لأن النشاط العملي والاكتسابي من رب الأسرة، ومردودَه عليها يبقى هو الشيء الأساسي وعماد الخيمة في حياة الأسرة.

قلنا لهم عندئذ: إن الإسلام قد قدّر بلسان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) هذا التفاوت بالنصف والضعف، فجعل دية المرأة على النصف من دية الرجل فماذا في ذلك؟

فخطأ من يتوهمون أن في ذلك انتقاصًا من القيمة الإنسانية للمرأة، وإنما نشأ من تصورهم وتوهمهم أن الدية هي جزاء رادع لمجرم. وهذا غلط وخروج بالدية عن طبيعتها وهدفها في قانون الشريعة الإسلامية، بل في جميع الشرائع الوضعية أيضا. فمن أول شرائط الجريمة بمفهومها القانوني والاجتماعي: القصد الإجرامي. وإن الخطأ مفروض في معناه عكسُ ذلك تماما، وهو انتفاء القصد الإجرامي.

النقطة الثالثة: أن الميزان الصحيح لتقويم قيمة المرأة من الناحية الإنسانية إنما يتجلى فيما يرتبه النظام من عقوبة زاجرة على القصد الإجرامي في القتل العمد العدواني. وأن الإسلام قد سوى في هذه الناحية بين الرجل والمرأة حين أوجب أن يقتل الرجل بالمرأة قصاصا، كما تقتل المرأة بالرجل. أما حالة الخطأ البريء، وما يجب فيه من تعويض عن الضرر المادي الحاصل منه، فليست هي ميزان القيمة الإنسانية.

على أنه، نظرًا إلى أن الخطأ في العادة غالبا ما يلابسه شيء من قلة الاحتراس والاحتياط، ولو انتفى منه القصد الإجرامي، شرع الإسلام، إلى جانب الدية في القتل الخطأ، كفارة ذات مشقة؛ لتكون تطهيرا دينيا للمخطئ، ولتشد انتباهه ويقظته أكثر إلى جانب الحيطة والحذرة.

هذا، وقد ناقشني أحد العلماء الأفاضل منتقدا قولي بأن الدية في جناية الخطأ هي مجرد تعويض عن الضرر الذي ألحقه الجاني بالضحية وأسرته، وليست عقوبة، واحتج بأن الدية تُفرض شرعًا على عاقلة الجاني.

فأجبته بأن هذا حجة لي حاسمة، وليس دليلا على أنها عقوبة؛ ذلك لأن العقوبات في الإسلام تخضع لقاعدة عامة خالدة قررها القرآن الكريم بقوله تعالى: "ولا تزر وازرة وزر أخرى". فلو كانت الدية عقوبة لَمَا جاز فرضها على عاقلة الجاني، وإلا صدق عليها قول شيخنا أبي الطيب المتنبي:

وحلَّ بغير جارمه العذاب!! وجُرمٍ جرّه سفهاء قوم

ولكن لما كانت الدية تعويضًا عن الضرر الذي ألحقه الجاني المخطئ غير المتعمد بغيره، وكانت الدية قد تبهظه، وهو بريء النية في خطئه، ليس لديه القصد إلى الإجرام العدواني، كان مستحقًا للمعاونة على مصيبته، فجعلت على عاقلته معاونة له فيها. ولذلك أعلن الرسول (صلى الله عليه وسلم) أن العواقل لا تعقل العمد؛ لأن المتعدي المتعمد بالقتل قد رتب الإسلام له القصاص عقوبة زاجرة رادعة، وليس الدية.

والله أعلم.

ـ[مبارك]ــــــــ[12 - 12 - 03, 12:32 ص]ـ

جاء في كتاب " المنخلة النونية في فقه الكتاب والسنة النبوية " (ص220ـ221) لمراد شكري:

" وأما أن المسلمين تماثلوا بدياتهم، وأن الذكر كالأنثى في الدية؛ فاعلم أنه لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في دية المرأة أنها على النصف من دية الرجل، وإنما أقوال للصحابة رضي الله عنهم، وقد قدمنا أن قول الصحابي ليس شرعاً، والحديث الصحيح: " المسلمون تتكافأ دماؤهم وقد تقدم: دليل على أن دية المرأة مثل دية الرجل، ولا فرق بينهما. وهو قول الأصم وابن عُلَيَّة. وادَّعى بعضهم الإجماع على أن دية المرأة نصف دية الرجل، وهو إجماع غير صحيح، وأعجب من ذلك أن ترى الخلاف موجوداً، ثم يُدَّعى الإجماع؛ فلا حول ولا قوة إلا بالله، وأن صحَّ الإجماع؛ فإني قائِلٌ به. والله الموفق ".

قال الإمام الكبير ابن المنذر في كتابه " الإجماع " (116):

" وأجمعوا على أن دية المرأة نصف دية الرجل ".

وقال الإمام الكبير ابن حزم في " مراتب الإجماع " (233):

" واتفقوا أن كل ماذكرنا من الرجل، ففيه من المرأة نصث الدية ".

وقال الإمام الكبير ابن عبدالبر في " التمهيد " (14/ 200):

" وقد أجمع العلماء على أن دية المرأة على النصف من دية الرجل، إلا أن العلماء في جراح النساء مختلفون ".

قال أبو عبدالرحمن: انظر كتاب:

* اختلاف الفقهاء (427) للمروزي.

* مصنف عبدالرزاق (9/ 393ـ397).

* سنن الكبرى للبيهقي (8/ 95ـ97).

* المغني (9/ 531) لابن قدامة.

* فقه الإمام أبي ثور (690ـ 691)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير