ـ[محمد الأمين]ــــــــ[12 - 12 - 03, 08:02 م]ـ
(#حرّر#).
قال فضيلة الشيخ القرضاوي في خطبة له [الخطبة حصلت يوم الجمعة بتاريخ 6 تشرين الأول\نوفمبر 1998، وهي متوفرة في موقعه]: «بقيت قضية الدية والدية. إذا نظرنا إليها في ضوء آيات القرآن والأحاديث الصحيحة، نجد المساواة بين الرجل والمرأة. صحيح أن جمهور الفقهاء وأن المذاهب الأربعة ترى أن دية المرأة نصف دية الرجل. ولكن لا يوجد نصٌ يُعتمد عليه (!). هناك حديثان استدل بهما أصحاب المذاهب، وهما ضعيفان بإجماع أهل الحديث. بعضهم استدلوا بالإجماع، ولم يثبت الإجماع (!!!!). فقد ثبت عن الأصم وابن علية أنهما قالا: "دية المرأة مثل دية الرجل"». ثم خرج بنتيجة أنه: «ولذلك لا حرج علينا إذا تغيرت فتوانا في عصرنا عن فتوى الأئمة الأربعة وقلنا: أن دية المرأة مثل دية الرجل».
قلت: وما الذي تغير حتى تتغير الفتوى عما مشى عليه أهل السنة كل تلك العصور الطويلة، من عصر الخلفاء الراشدين إلى هذا العصر؟ هل لمجرد إرضاء الغرب؟ أم هي الهزيمة الفكرية أمام غزو الفكر الغربي؟ وليس اعتماد أهل السنة على حديثٍ ضعيفٍ كما زعم. بل على قياسٍ صحيحٍ على نص القرآن، أجمع العلماء كلهم على صِحّته.
قال الإمام الشافعي في كتابه "الأم" (6\ 106): «لم أعلم مخالفاً من أهل العلم –قديماً ولا حديثاً– في أن دية المرأة نصف دية الرجل». وقال القرطبي في تفسير قوله تعالى ?وما كان لمؤمنٍ أن يقتل مؤمناً إلا خطأ?: «وأجمع العلماء على أن دية المرأة على النصف من دية الرجل. قال أبو عمر: إنما صارت ديتها –والله أعلم– على النصف من دية الرجل، من أجل أن لها نصف ميراث الرجل، وشهادة امرأتين بشهادة رجل. وهذا إنما هو في دية الخطأ. وأما العمد ففيه القصاص بين الرجال والنساء».
وقد نقل إجماع أهل السنة والجماعة الإمام الشافعي، وابن المنذر، وابن عبد البر، وابن قدامة، وابن حزم، وابن تيمية، والقرطبي، وابن رشد، وكثيرٌ غيرهم. وهو إجماعٌ صحيحٌ لم يخالفه أحد من المتقدمين ولا من المتأخرين من أهل السنة. وأما ابن علية والأصم، فهما مبتدعان ضالان لا قيمة لخلافهما، لأنهما ليسا من أهل السنة أصلاً، على التسليم أنهما من المسلمين!
فابْن عُلَيَّةَ (ت 218هـ) هذا مبتدعٌ ضال. وصفه الذهبي في السير (9\ 113) بأنه: «جهميٌّ شيطان». وقال عنه كذلك: «أحد كبار الجهمية. وممن ناظر الشافعي». وقال عنه ابن حجر في لسان الميزان (1\ 34): «جهمي هالِك. كان يناظر ويقول بخلق القرآن». وقال عنه الإمام العِجلي: «إبراهيم بن علية: جهميٌّ خبيثٌ ملعون». وقال عنه الإمام ابن يونس: «له مُصنّفات في الفقه، شِبه الجدل». وقال عنه الإمام الشافعي: «هو ضالٌّ، جلس بباب السوال (موضع بجامع مصر) يُضِلُّ الناس». وقال عنه إمام الأندلس ابن عبد البر: «له شذوذٌ كثيرة. ومذاهبه عند أهل السنة مهجورة. وليس في قولِهِ عندهم مما يُعَدُّ خلافاً». وذكر البيهقي في كتاب "مناقب الشافعي" عن الشافعي أنه قال: «أنا أخالف ابن علية في كل شيء. حتى في قول "لا إله إلا الله". فإني أقول "لا اله إلا الله الذي كلَّمَ موسى". وهو يقول: "لا اله إلا الله الذي خلق كلاماً سمعه موسى"». وروى أبو داود في كتاب "المسائل" (كما في تهذيب الكمال 7\ 327) عن الحافظ حمزة بن سعيد المروزي قال: سألت أبا بكر بن عياش قلت: «يا أبا بكر، قد بلغك ما كان من أمر ابن علية في القرآن، فما تقول؟». فقال: «اسمع إلي، ويلك! من زعم أن القرآن مخلوق فهو عندنا كافر زنديق عدو الله، لا نجالسه و لا نكلمه». وهذا تكفير صريح.
وأما أبو بكر الأَصَمّ (أستاذ ابن علية) فقد وصفه الذهبي في السير (9\ 402) بأنه: «شيخ المعتزلة». وقد ألف كتاب "خلق القرآن"، والعياذ بالله. وكان ناصبياً فيه ميلٌ عن سيدنا علي ?. وكما قيل: «الأصم، كان عن معرفة الحق أصم».
فالشيخ القرضاوي هنا، خالف الإجماع الصريح الذي اتفق عليه أهل السنة كلهم. ولما أراد أن يبحث له عن أحدٍ سبقه بمثل هذه الفتوى، لم يجد إلا زعيمٌ للجهمية وزعيمٌ للمعتزلة. وهذا ليس بمستغرب عليه. فقد أخذ هذا من شيخه الغزالي الذي يقول في كتابه "السنة النبوية" (ص19): «وأهل الحديث (أي أهل السنة) يجعلون دية المرأة على النصف من دية الرجل. وهذه سوأة خلقية وفكرية، رفَضَها الفقهاء المحققون»!!
هذا مع قوله: "ويعلم الله إني ـ مع اعتدادي برأيي ـ أكره الخلاف والشذوذ. وأحب السير مع الجماعة، وأنزل عن وجهة نظري التي أقتنع بها بغية الإبقاء على وحدة الأمة". وهو كاذب في زعمه، فقد خالف الجماعة كلها وشتم فقهاء المسلمين كلهم، وتمسك برأيه الشاذ، كيداً لأهل السنة والجماعة.
فانظر إلى شتمه لأهل السنة (وفيهم الصحابة والتابعون والأئمة الكبار)، ووصف مذهبهم بأنه سوأة خلقية وفكرية. بينما يصف سلفه من المعتزلة والجهمية بأنهم "فقهاء محققون". فهنيئاً لفقيه العصر القرضاوي، ولشيخه الغزالي، سلفهم: شيخ المعتزلة وشيخ الجهمية. نِعم السلف لنعم الخلف!!
¥