وذكر ابن رجب أن سعيد بن المسيب قال لابنه: ((لأزيدن في صلاتي من أجلك؛ رجاء أن أُحفظ فيك)) ([101]) ثم تلا هذه الآية) وكان أبوهما صالحاً (.
ونقل عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: ((ما من مؤمن يموت إلا حفظه الله في عقبه وعقب عقبه)) ([102]).
وقال أبو نعيم (ت430هـ) بأن ابن المنكدر (ت130هـ) قال: ((إن الله ليحفظ بالرجل الصالح ولده، وولد ولده، والدويرات التي حوله، فما يزالون في حفظ من الله وستر)) ([103]).
وجاء في الحديث أن النبي e قال: (كانت امرأة في بيت فخرجت في سرية من المسلمين، وتركت ثنتي عشرة عنزاً، وصيصيتها ([104]) كانت تنسج بها، قال: ففقدت عنزاً لها وصيصيتها، فقالت: يا رب، إنك قد ضمنت لمن خرج في سبيلك أن تحفظ عليه، وإني قد فقدت عنزاً من غنمي وصيصيتي، وإني أنشدك عنزي وصيصيتي) قال: وجعل رسول الله e يذكر شدّة مناشدتها ربها تبارك وتعالى، ثم قال رسول الله e: ( فأصبحت عنزها ومثلها، وصيصيتها ومثلها) ([105]).
ومن حفظ الله تعالى لعبده الحافظ لحدود الله أن يجعل الحيوانات المؤذية، حافظة له من الأذى، كما حدث لسفينة مولى النبي e، حيث كسر به المركب، وخرج إلى جزيرة، فرأى أسداً، فجعل يمشي معه حتى دله على الطريق، فلما أوقفه عليها جعل يهمهم كأنه يودعه، ثم رجع عنه ([106]).
ومن ضيع حدود الله واتبع الشبهات أو غرق في الشهوات، ولم يحفظ الله، لم يحفظه الله، وكان عرضة لعقاب الله وسخطه، ودخل عليه الضرر والأذى، وربما أصابه ذلك ممن كان يرجو نفعه من أهله وماله، كما نقل عن الفضيل بن عياض (ت 187 هـ) أنه قال: ((إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خلق خادمي ودابتي)) ([107]).
المبحث الرابع
في قوله e : ( احفظ الله تجده تجاهك)
وفي الرواية الأخرى: (احفظ الله تجده أمامك)
من حفظ الله بحفظ توحيده وشريعته، وقام بأوامر الله تعالى، واجتنب نواهيه وجد الله تجاهه وأمامه، ومعناهما واحد، أي وجد الله أمامه يدله على كل خير، ويذود عنه كل شر، وبخاصة إذا حفظ الله بالاستعانة به والتوكل عليه، فإن الإنسان إذا استعان بالله، وتوكل على الله كان الله حسبه وكافيه، ومن كان الله حسبه؛ فإنه لا يحتاج إلى أحد بعد الله، قال الله تعالى:] يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [([108])، ((أي حسبك وحسب من اتبعك من المؤمنين هو الله، فهو كافيكم كلكم، وليس المراد أن الله والمؤمنين حسبك كما يظنه بعض المغالطين؛ إذ هو وحده كاف نبيه، وهو حسبه، ليس معه من يكون هو وإياه حسباً للرسول)) ([109]).
وقال تعالى:] وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ [([110])؛ فإذا كان الله حسب الإنسان، أي كافيه؛ فلن ينالوه بسوء، ولا يزال عليه من الله حافظ، ولهذا قال e : ( احفظ الله تجده تجاهك).
قال ابن حجر الهيتمي: ((أي تجده معك بالحفظ، والإحاطة والتأييد والإعانة، حيثما كنت، فتأنس به، وتستغني به عن خلقه …، على حد قوله تعالى:] أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [([111])،] إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [([112]) …، المعنى تجده حيثما توجهت وتيممت وقصدت من أمر الدين والدنيا)) ([113]).
ومعية الله لخلقه نوعان:
الأولى: المعية الخاصة بالمؤمنين، الحافظين حدود الله، وهي تقتضي النصر والتأييد، والحفظ والإعانة، وتوجب لمن آمن بها كمال الثبات والقوة. ودليل هذه المعية الخاصة قوله تعالى:] إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ [([114])، وقوله تعالى:] إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [([115])، وقوله تعالى عن موسى أنه قال:] إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ [([116])، وقول النبي e لأبي بكر وهما في الغار: ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟] لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا [([117])، وقوله تعالى:] وَأَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ [([118]).
فمن حفظ الله حفظه الله وأيده ونصره.
الثانية: المعية العامة لجميع الخلق، وهي تقتضي الإحاطة بجميع الخلق من مؤمن وكافر، وبر وفاجر، في العلم، والقدرة، والتدبير، والسلطان، وغير ذلك من معاني الربوبية.
وهي توجب لمن آمن بها كمال المراقبة لله U.
¥