تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فلو أن الأمة رعاة ورعية حفظوا شرع الله تعالى، واحتكموا إلى كتاب الله وسنة رسوله e وحكموهما في جميع مجالات الحياة، لسلمت الأمة من كثير من الأخطار والفتن والابتلاءات كالجوع والخوف والغزو ونحو لك؛ إذ إن ما أصابها من تشتت وفرقة هو بسبب تهاونها في حفظ حدود الله تعالى والقيام بشرعه.

وإن انتصار الأمة مرهون بنصرها دين الله تعالى، بالعمل به والدعوة إليه، والدفاع عنه، يقول تعالى:] وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [([88]) ففي هذه الآية الكريمة يبين الله تعالى ((أنه أقسم لينصرن من ينصره، ومعلوم أن نصر الله إنما هو باتباع ما شرعه بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، ونصرة رسله واتباعهم، ونصرة دينه، وجهاد أعدائه، وقهرهم، حتى تكون كلمته هي العليا، وكلمة أعدائه هي السفلى، ثم إن الله جل وعلا بيّن صفات الذين وعدهم بنصره؛ ليميزهم عن غيرهم، فقال مبيناً من أقسم أنه ينصره؛ لأنه ينصر الله جل وعلا:] الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَر [([89]) الآية، وفي قوله:] الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ [دليل على أنه لا وعد من الله بالنصر إلا مع إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فالذين يمكن الله لهم في الأرض، ويجعل الكلمة فيها والسلطان لهم، ومع ذلك لا يقيمون الصلاة، ولا يؤتون الزكاة، ولا يأمرون بالمعروف، ولا ينهون عن المنكر، فليس لهم وعد من الله بالنصر؛ لأنهم ليسوا من حزبه، ولا من أوليائه، الذين وعدهم بالنصر، بل هم حزب الشيطان وأولياؤه، فلو طلبوا النصر من الله بناء على أنه وعدهم إياه فمثلهم كمثل الأجير الذي يمتنع من عمل ما أجر عليه، ثم يطلب الأجرة، ومن هذا شأنه فلا عقل له)) ([90]).

وخلاف ذلك، من كفر بأنعم الله تعالى وضيّع حدوده، فقد عرّض نفسه للهلاك، يقول تعالى:] وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ (112) وَلَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ [([91]). قال الشنقيطي (ت 1393هـ) بعد تفسيره هذه الآية: ((وعلى كل حال، فيجب على كل عاقل أن يعتبر بهذا المثل، وألا يقابل نعم الله بالكفر والطغيان؛ لئلا يحل به ما حل بهذه القرية المذكورة، ولكن الأمثال لا يعقلها عن الله إلا من أعطاه الله علماً؛ لقوله U : ] وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُون [([92]))) ([93]).

((ومن حفظ الله في صباه وقوته حفظه لله في حال كبره، وضعف قوته، ومتعه بسمعه وبصره وحوله وقوته وعقله)) ([94]).

ذكر ابن كثير (ت 774هـ) أن أبا الطيب طاهر بن عبد الله الطبري الشافعي (ت 450هـ)، قد جاوز المائة سنة وهو ممتع بقوته وعقله، فوثب يوماً وثبة شديدة، فعوتب في ذلك فقال: ((هذه جوارح حفظناها عن المعاصي في الصغر، فحفظها الله علينا في الكبر)) ([95]).

وعكس هذا أن بعض السلف رأى شيخاً يسأل الناس، فقال بأن هذا الشيخ لم يحفظ الله في صغره، فلم يحفظه الله في كبره ([96])

وقد يحفظ الله العبد بصلاحه بعد موته، في ذريته، بدليل قوله تعالى:] وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّك [([97]).

قال ابن كثير: ((وقوله: (وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا) فيه دليل على أن الرجل الصالح يحفظ في ذريته، وتشمل بركة عبادته لهم في الدنيا، والآخرة بشفاعته فيهم، ورفع درجتهم)) ([98]).

وروي عن ابن عباس أنه قال: ((حفظا بصلاح أبيهما، ولم يذكر لهما صلاحاً)) ([99]).

وقال السعدي في تفسير الآية السابقة: ((أي: حالهما تقتضي الرأفة بهما ورحمتهما؛ لكونهما صغيرين عدما أباهما، وحفظهما الله أيضاً بصلاح والدهما)) ([100]).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير