ولهذا كان النبي e يعلم أصحابه خطبة الحاجة، وهي: (أن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره …) ([178]) الحديث.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وتستحب هذه الخطبة في افتتاح مجالس التعليم، والوعظ،والمجادلة، وليست خاصة بالنكاح) ([179]).
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله e أخذ بيده، وقال: (يا معاذ إني والله لأحبك فلا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول: (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) ([180]).
وكان النبي e يدعو ويقول: (رب أعني، ولا تُعن عليّ) ([181]) الحديث.
فالمسلم مطالب بالاستعانة بالله تعالى في فعل المأمورات، واجتناب المنهيات.
يقول ابن تيمية عند تفسير قوله تعالى:) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (: ((وكل واحد من العبادة والاستعانة دعاء، وإذا كان قد فرض علينا أن نناجيه وندعوه بهاتين الكلمتين في صلاة، فمعلوم أن ذلك يقتضي أنه فرض علينا أن نعبده وأن نستعينه …، كما أمر بهما في قوله:] فاعبده وتوكل عليه [، والأمر له ولأمته، وأمره بذلك في أم القرآن، وفي غيرها، لأمته؛ ليكون فعلهم ذلك طاعة لله، وامتثالاً لأمره، لا تقدماً بين يدي الله ورسوله، وإلى هذين الأصلين كان النبي e يقصد في عبادته وأذكاره ومناجاته، مثل قوله في الأضحية: (اللهم هذا منك ولك وإليك) ([182])؛ فإن قوله: منك، هو معنى التوكل والاستعانة، وقوله: لك، هو معنى العبادة)) ([183]).
وقال في موضع آخر: ((فإن الإخلاص والتوكل جماع صلاح الخاصة والعامة، كما أمرنا أن نقول في صلاتنا:] إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [، فهاتان الكلمتان قد قيل إنهما تجمعان معاني الكتب المنزلة من السماء)) ([184]).
ويذكر ابن القيم أن آية] إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [((متضمنة لأجلّ الغايات وأفضل الوسائل، فأجلّ الغايات عبوديته، وأفضل الوسائل إعانته، فلا معبود يستحق العبادة إلا هو، ولا معين على عبادته غيره، فعبادته أعلى الغايات، وإعانته أجل الوسائل …، وقد اشتملت هذه الكلمة على نوعي التوحيد، وهما توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، وتضمنت التعبد باسم الرب، واسم الله، فهو يعبد بألوهيته، ويستعان بربوبيته، ويهدي إلى الصراط المستقيم برحمته …، وهو المنفرد بإعطاء ذلك كله، لا يعين على عبادته سواه، ولا يهدي سواه)) ([185]).
كما أن العبد مطالب بالصبر والاستعانة بالله تعالى عند وقوع المصائب والابتلاءات، ولهذا قال يعقوب u، عند وقوع مصيبته:] فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ [([186]).
ولما قال أهل الإفك ما قالوا في عائشة رضي الله عنها قالت: ((والله ما أجد لي ولكم مثلاً إلا أبا يوسف إذ قال:] فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ [، فبرأها الله مما قالوا)) ([187]).
وعندما هدد فرعون موسى وقومه،] قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [([188])، فجاء الأمر على خلاف ما أراد فرعون؛ إذ أعزهم الله وأذله، وأرغم أنفه، وأغرقه وجنوده ([189]).
وأخبر الله تعالى عن الرسول e أنه لما كذبه قومه:] قَالَ رَبِّ احْكُم بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُون [([190])، أي والله المستعان عليكم فيما تقولون وتفترون من التكذيب والإفك ([191]).
وكان عمر بن الخطاب t يدعو في قنوته بقوله: (اللهم إنا نستعينك، ونؤمن بك، ونتوكل عليك) ([192]).
ولما بشَّر الرسول e عثمان بن عفان t بالجنة، مع بلوى تصيبه، قال t: (( اللهم صبراً، الله المستعان)) ([193]).
¥