تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يفكر صاحبه، ولا يميز بين المحمود والمذموم ([210]). فهذا الحديث العظيم يوجب الإيمان بالقضاء والقدر، وهو الركن السادس من أركان الإيمان، والإيمان به يتضمن الإيمان بمراتبه الأربع، وهي: المرتبة الأولى: الإيمان بعلم الله المحيط بكل شيء، الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض، وأنه تعالى قد علم جميع خلقه قبل أن يخلقهم، وعلم أرزاقهم وأقوالهم وأعمالهم وجميع حركاتهم وسكناتهم، وإسرارهم وعلانياتهم ومن هو منهم من أهل الجنة، ومن هو منهم من أهل النار، قال تعالى:] هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَة [([211])، وقال سبحانه:] عَالِمِ الْغَيْبِ لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ وَلاَ أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرُ [([212])، وقال:] وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [([213])، وقال e : ( إن الله خلق للجنة أهلاً خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم وخلق للنار أهلاً خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم) ([214])، ولما سئل e عن أولاد المشركين قال: (الله أعلم بما كانوا عاملين) ([215])، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا الحديث: ((أي يعلم من يؤمن منهم ومن يكفر لو بلغوا، ثم إنه جاء في حديث إسناده مقارب عن أبي هريرة t عن النبي e قال: (إذا كان يوم القيامة فإن الله يمتحنهم، و يبعث إليهم رسولاً في عرصة القيامة، فمن أجابه أدخله الجنة، ومن عصاه أدخله النار) فهنالك يظهر فيهم ما علمه الله سبحانه، ويجزيهم على ما ظهر من العلم، وهو إيمانهم وكفرهم، لا على مجرد العلم)) ([216]). المرتبة الثانية: الإيمان بأن الله تعالى قد كتب جميع ما سبق به علمه أنه كائن، وفي ضمن ذلك الإيمان باللوح والقلم. قال تعالى:] وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِين [([217])، وقال سبحانه:] إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَاب [([218])، وقال:] وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [([219])، وقال e : ( ما من نفس منفوسة إلا وقد كتب الله مكانها من الجنة والنار وإلا وقد كتب شقية أو سعيدة) ([220]). المرتبة الثالثة: الإيمان بمشيئة الله النافذة، وقدرته الشاملة، وهما متلازمتان من جهة ما كان وما سيكون، ولا ملازمة بينهما من جهة ما لم يكن ولا هو كائن، فما شاء الله تعالى فهو كائن بقدرته لا محالة، وما لم يشأ الله تعالى لم يكن لعدم مشيئة الله إياه، لا لعدم قدرة الله عليه، تعالى الله عن ذلك:] وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا [([221]). ومن أدلة هذه المرتبة قوله: I ] وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّه [([222])، وقوله تعالى:] مَن يَشَإِ اللّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [([223])، وقوله تعالى:] إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [([224])، وقوله e : ( إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء)، ثم قال e : ( اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك) ([225]). المرتبة الرابعة: الإيمان بأن الله تعالى خالق كل شيء، وأنه ما من ذرة في السموات ولا في الأرض ولا فيما بينهما إلا والله خالقها وخالق حركاتها وسكناتها، I لا خالق غيره ولا رب سواه، قال تعالى:] اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ [([226])، وقال سبحانه:] هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْض [([227])، وقال تعالى:] اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَيْءٍ [([228])، وقال تعالى:] وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [([229])، وعن حذيفة t مرفوعاً: (إن الله يصنع كل صانع وصنعته) ([230]). والإيمان بالقدر نظام التوحيد، كما أن الإيمان بالأسباب التي توصل إلى خيره وتحجز عن شره هي نظام الشرع، ولا ينتظم أمر

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير