تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الدين ويستقيم إلا لمن آمن بالقدر وامتثل الشرع، فمن نفى القدر زاعماً منافاته للشرع فقد عطل الله عن علمه وقدرته، وجعل العبد مستقلاً بأفعاله خالقاً لها، فأثبت مع الله تعالى خالقاً، بل أثبت أن جميع المخلوقين خالقون، ومن أثبت القدر محتجاً به على الشرع، نافياً عن العبد قدرته واختياره فقد نسب الله تعالى إلى الظلم. وليعلم أن الله I الذي أمرنا بالإيمان بالقضاء والقدر، أمرنا بالعمل والأخذ بالأسباب، فقال تعالى:] وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ [([231])، وقال الرسول e : ( اعملوا فكل ميسر لما خلق له) ([232])، وفي هذا رد على المتخاذلين، المستسلمين لأهوائهم وشهواتهم، محتجين بتقدير الله تعالى ذلك عليهم، فعلى المسلم أن يحرص على حسن الاتباع لما جاء به الرسول e ، مع إخلاص العمل لله تعالى، وسلامة العقيدة، والاجتهاد بالأخذ بالأسباب، والسعي وبذل الجهد، فمن ترك الأسباب محتجاً بالقدر فقد عصى الله تعالى وخالف شرعه. والمؤمنون حقاً يؤمنون بالقدر خيره وشره وأن الله خالق أفعال العباد، وينقادون للشرع أمره ونهيه، ويحكمونه في أنفسهم سراً وجهراً، وأن للعباد قدرة على أعمالهم، ولهم مشيئة وإرادة، وأفعالهم تضاف إليهم حقيقة، وبحسبها كلفوا، وعليها يثابون ويعاقبون، ولكنهم لا يقدرون إلا على ما أقدرهم الله عليه، ولا يشاؤون إلا أن يشاء الله ([233] (. قال أبو بكر محمد بن الحسبن الآجُرِّي (ت 360هـ): ((قد جرى القلم بأمره U في اللوح المحفوظ بما يكون، من بِرّ أو فجور، يثني على من عمل بطاعته من عبيده، ويضيف العمل إلى العباد، ويعدهم عليه الجزاء العظيم، ولولا توفيقه لهم ما عملوا ما استوجبوا به منه الجزاء] ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [([234])، وكذا ذم قوماً عملوا بمعصيته، وتوعدهم على العمل بها وأضاف العمل إليهم بما عملوا، وذلك بمقدور جرى عليهم، يضل من يشاء، ويهدي من يشاء)) ([235]).

وقوله e في الرواية الثانية: (واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك)، هو توجيه إلى الإيمان بالقضاء والقدر، خيره وشره، فقوله: (واعلم أن ما أخطأك) أي من المقادير فلم يصل إليك، (لم يكن) مقدراً عليك (ليصيبك)؛ لأنه بان بكونه أخطأك أنه مقدر على غيرك، (وما أصابك) منها (لم يكن) مقدراً على غيرك (ليخطئك)، وإنما هو مقدر عليك؛ إذ لا يصيب الإنسان إلا ما قدر عليه، ومعنى ذلك: أنه قد فرغ مما أصابك أو أخطأك من خير وشر، فما أصابك فإصابته لك محتومة لا يمكن أن يخطئك وما أخطأك فسلامتك منه محتومة، فلا يمكن أن يصيبك، قال تعالى:] مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِير [([236])، وقال تعالى:] قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا [([237]). وقال سبحانه:] قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ [([238]). وثبت في الحديث الصحيح أن رجلاً قال: يا رسول الله فيمَ العمل اليوم؟ أفيما جفت به الأقلام، وجرت به المقادير، أم فيما يستقبل؟ قال: (لا بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير) قال: ففيم العمل؟ قال: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له) ([239]). فلابد من الإيمان بأن كل ما يصيب العبد مما يضره وينفعه في دنياه فهو مقدر عليه، وأنه لا يمكن أن يصيبه ما لم يكتب له ولم يقدر عليه ولو اجتهد على ذلك الخلق كلهم جميعاً. قال تعالى:] مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [([240]). يعني أن من أصابته مصيبة فعلم أنها بقضاء الله وقدره، فصبر واحتسب، واستسلم لقضاء الله، هدى الله قلبه، وعوضه عما فاته من الدنيا هدى في قلبه ويقيناً صادقاً، وقد يخلف عليه ما كان أخذ منه، أو خيراً منه، روى ابن كثير عن ابن عباس أنه قال، في قوله تعالى:] وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ [: يعني يهد قلبه لليقين، فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه ([241]). يقول ابن دقيق العيد: ((هذا هو الإيمان بالقدر، والإيمان به

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير