[استعمال القرآن و العرب المجاز]
ـ[سليم]ــــــــ[10 - 07 - 2005, 01:51 م]ـ
السلام عليكم
المجاز في القرآن كثير وكلما انمعن فيه أجده أكثر فأكثر, وقد أعجبني قول الجاحظ فيما يتعلق بالمجاز, ولماذا أقبلوا العرب على استعماله والقرآن كذلك: (للعرب إقدام على الكلام, ثقة بفهم المخاطب من أصحابهم عنهم, كما جوزوا قوله: أكله الاسود, وإنما يذهبون الى النهش واللدغ والعض).وهذا يعني ان من لا يجوز المجاز لا يفهم كلام العرب ولا بحظى بثقتهم, وهذا راجع إما الى عجميه لسانه أو الى ضعف في فهمه, ولا يكاد يخلو كلام العرب من المجاز.
قال الشاعر (واصفاً هزيمة خالد بن عبد اللهوقوله: اطعموني ماء):
بل السراويل من خوف ومن دهش=واستطعم الماء لما جد في الهرب
فبلغ ذلك الحجاج, فقال: ما أيسرما تعلق فيه يا ابن أخي, أليس الله تعالى يقول:"فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني".وهويريد ومن لم يذق طعمه.
وصورة آخرى من المجاز قول الله تعالى:"إن الذين يأكلون اموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً",من ظاهر الآيه انهم يأكلون ما لا يؤكل المال والنار, لانهم ربما شربوا بتلك الاموال او لبسوا او اشتروا السيارات والبيوت والمراكب, فجوزإفناءالمال بالاكل, وجوزوا أكلته النار, إنما أبطلت عينه.
ـ[فيصل القلاف]ــــــــ[24 - 07 - 2005, 09:47 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أخي الكريم تعجبت من كلمة في موضوعك لعلك تستدركها إن شاء الله تعالى. فعلى الرغم مما شهده عدد من المنتديات مؤخراً من أخذ ورد في مسألة المجاز، مما بين للقراء وجهة نظر كل فريق، على الرغم من ذلك أراك أخي ما فهمت قول من نفى المجاز! ثم أتيت تسفه من قال به متعدياً بذلك على أئمة كبار وعلماء أخيار، وليس هذا بالأدب الذي أمرنا به معهم رضي الله عنهم.
الكلمة التي أثارت ذاك الاستغراب أخي هي قولك: (وهذا يعني ان من لا يجوز المجاز لا يفهم كلام العرب ولا بحظى بثقتهم, وهذا راجع إما الى عجميه لسانه أو الى ضعف في فهمه)! فلا أدري هل هذا مجرد استنباط من كلام الجاحظ؟! أم هو من اطلاعك على قول من منع المجاز؟!
أما الأول فغير صحيح، إذ لا يدل كلامه على ذلك، إنما يدل على أن العربي يثق في فهم مخاطبه فيكلمه بالمجاز ظناً منه أنه يفهم القرائن الصارفة عن الحقيقة والعلاقات المعينة للمعنى الثاني، فلم يتعرض لمن نفى المجاز بشيء أصلاً، إذ أن من نفى المجاز لم يقل بغير ذلك المعنى الذي يفهمه من أثبت المجاز، والذي بفهمه نال العربي الثقة! فكان كلام الجاحظ على خلاف قولك!
وأما الثاني فغير صحيح كذلك، لأن كلامك يقطع بأنك لم تتصور قول من منع المجاز أصلاً، فضلاً عن أن تكون اطلعت على أدلتهم وكتاباتهم!
فماذا بقي بعد ذينك؟! يظهر - والله أعلم - أنها مجازفة منك أخي، أو زلة قلم لم تتدبرها قبل أن تكتبها، فراجع في ذلك نفسك، والله أسأل أن يغفر الله ويهديك.
وللبيان، فإن من قال بنفي المجاز فإنه عرف الحقيقة بأنها ما تبادر إلى الذهن من الخطاب، ومبنى قوله على أن أحوال الخطاب من القرائن والسياق محددة للمعنى، وأن الكلام يفهم بكله لا بتقطيعه إلى ألفاظ مجردة.
فمثلاً، إن قيل: (رأيت أسداً يحمل سيفاً) فالذي يتبادر إلى الذهن من هذا الكلام بكليته أنه رجل شجاع، لوجود القرينة التي يعرفها العرب فيكتفي المخاطب بمعرفتهم إياها ثقة منه في أفهامهم. فإذا كان ذلك هو المعنى المتبادر كان هو الحقيقة. هذا قول من منع المجاز، ولا يخفى عليك أن من جوز المجاز لن يفسر الجملة بغير هذا.
لكن بقي لمن منع المجاز ثلاث فضائل ترجح قوله:
الأولى، وهي في منشإ القول: أن قوله لم ينشأ عن باطل، وأما من قال بالمجاز فعرفه بأنه استعمال اللفظ في غير ما وضع له أولاً، فجعل اللغات وضعية، وليس بصحيح.
الثانية، وهي في تطبيق القول: أن قوله سليم في التصور، فإن العرب تفهم الكلام ككل بعد فراغ المتكلم منه، أما من قال بالمجاز فاشترط قرينة صارفة عن الحقيقة وعلاقة معينة للمجاز، فكأن السامع إنما فهم من الكلام الحقيقة غير المرادة فلما ذكر القرينة فهم أنها غير مرادة، ثم ينتقل ذهنه إلى العلاقة فيفهم المراد! وهذا غير واقع. فهل ترى لو أن رجلاً قال: (لا إله إلا الله) كان الناس فهموا من الإلحاد ثم التوحيد؟!
الثالثة، وهي في نتيجة القول: أن قول من منع المجاز سد الباب على أهل البدع المعطلة من الجهمية ومن تبعهم ممن نفى صفات الله تعالى بدعوى المجاز، بل سد الباب على القرامطة والباطنية الذين عطلوا الشرائع والأحكام العملية بدعوى المجاز! أما من قال بالمجاز وأعطاه حقه في التطبيق فلا يقع في شيء من ذلك إن شاء الله، لكن يعطي فرصة لخبيث يتذرع بالمجاز لنفي ما دل عليه الوحي من ثوابت، والله المستعان. وسد الذريعة مسلك معتبر.
هذا والله أعلى وأعلم، ولا تحزنك أخي حدة في كلامي، فإنها على كل حال أقل من حدتك على مخالفك، ولو كان عالماً فاضلاً. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.