تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[الكناية والتعريض في القرآن الكريم]

ـ[أحلام]ــــــــ[12 - 06 - 2005, 11:29 م]ـ

:::

تقوم الكناية القرآنية بنصيبها كاملا في أداء المعاني وتصويرها, خير أداء وتصوير, وهي حينا راسمة مصوّرة موحية وحينا مؤدبة مهذبة, تتجنب ما ينبو على الأذن سماعه , وحينا موجزة تنقل المعنى وافيا في لفظ قليل, ولا تستطيع الحقيقة أن تؤدي المعنى كما أدته الكناية, في المواضع التي وردت فيها الكناية القرآنية.

فمن الكناية المصوّرة الموحية قوله تعالى {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً} الإسراء29ألا ترى أن التعبير عن البخل باليد المغلولة إلى العنق فيه تصوير محسوس لهذه الخلة المذمومة في صورة قوية بغيضة منفردة, فهذه اليد التي غلت إلى العنق لا تستطيع أن تمتد, وهو بذلك يرسم صورة البخيل الذي لا تستطيع يده أن تمتد بإنفاق ولا عطية, والتعبير ببسطها كل البسط يصور لك صورة هذا المبذر الذي لا يبقى من ماله على شيئ, كهذا الذي يبسط يده, فلا يبقى بها شيئ, وهكذا استطاعت الكناية أن تنقل المعنى قويا مؤثرا ...

- ومنها قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} الحجرات12 وتأمل كيف (مثل الاغتياب بأكل الإنسان لحم إنسان آخر مثله ثم لم يقتصر على ذلك حتى جعله لحم الأخ ولم يقتصر على لحم الأخ .... فأما تمثيل الاغتياب بأكل لحم الإنسان آخر مثله, فشديد المناسبة جدا, وذلك لان الاغتياب إنما هو ذكر مثالب الناس وتمزيق أعراضهم وتمزيق العرض مماثل لأكل الإنسان لحم من يغتابه لان أكل اللحم فيه تمزيق لا محالة, ومن المعلوم أن لحم الإنسان مستكره عند إنسان آخر مثله إلا انه لا يكون مثل كراهة لحم أخيه وهذا القول مبالغة في الاستكراه لا أمد فوقها وأما قوله 0 (ميتا) فلأجل أن المغتاب لا يشعر بغيبته ولا يحس بها

- ومنها قوله تعالى {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ} الرحمن56 فأنت ترى في قصر الطرف تصويرا للمظهر المحسوس لخلة العفة ولو أنه استخدم عفيفات ما كان في الآية هذا التصوير المؤثر, ولا رسم أولئك السيدات في تلك الهيئة الراضية القانعة التي لا يطمحن فيها إلى غير أزواجهن, ولا يفكرن في غيرهم

- ومن الكناية المهذبة قوله سبحانه {مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} المائدة75ألا ترى في التعبير يأكل الطعام أدبا ورقة, تغنيك عن أن تسمع أذنك كانا يتبرّزان ويتبوّلان.

- ومنها قوله تعالى {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} البقرة223)

- وقوله تعالى (وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً) وهكذا كنى الله بالملامسة والمباشر والإفضاء 0والرفث 0 والدخول 0 والسر

- 0 كما في قوله سبحانه {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً) البقرة235 - ومما يصح أن يوجه النظر إليه هنا إن القرآن كان يلجأ إلى الصراحة عند ما يتطلبها المقام فلا يحاور ولا يداور, بل يعمد إلى الفكرة فيلقى بها في وضوح ,ويقول {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} النور30ولا عجب في صراحة كتاب ديني يجد في التصريح مالا يستطيع الكناية الوفاء به في موضعه,

- ومن الكناية الموجزة قوله تعالى ({فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} البقرة24) أي فإن لم تأتوا بسورة من مثله ولن تأتوا بسورة, ومثل هذا التعبير كثير في القرآن

- أما التعريض فهو أن يذكر شيئ يدل به على شيئ لم يذكر, واهم أغراضه الذم كما في قوله تعالى قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ {62} قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ {63}) ففي نسبة الفعل إلى كبير الأصنام تعريض بان الصغار لا تصلح أن تكون إلها لعجزه أن ينهض بمثل هذا العمل.

- ومن باب التعريض أيضا تلك الآيات التي على مثال قوله تعالى (إنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} الرعد4) وتلك طريقة مؤثرة تدفع السامعين إلى التفكير العميق حتى لا يكونوا ممن لا يعقلون ....

- عن كتاب من بلاغة القرآن

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير