تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الحُبّ والمَحَبَّة

ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[15 - 08 - 2005, 08:15 م]ـ

وردت كلمة (حُبّ) تسع مرات في الكتاب العزيز، منها قوله تعالى: " وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ " (البقرة: 165)، وقوله تعالى: " كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَّمًّا * وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا " (الفجر: 17 - 20).

ولم ترد كلمة (محبّة) إلا مرة واحدة، في قوله تعالى: " قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى * وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى * أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي " (طه: 36 - 39).

فلماذا وردت (محبّة)، ووردت صيغة (حُبّ)؟

الحبّ .. هو المصدر الأصلي.

والمحبّة .. هي المصدر الميمي.

وفعلهما هو: حبّ وأحبّ.

وعند التمعن في الكتاب العزيز .. نجد أن الفرق بين (حبّ ومحبّة) يقوم على ثلاثة أوجه، نبيّنها فيما يلي:

الأول: جاء (الحبّ) في المرات التسع التي ورد فيها سلوكاً من البشر تجاه الله تعالى، أو تجاه موضوعات في الحياة. ولهذا عندما أراد الله تعالى أن يضيف لذاته العلية اسمًا من هذه المادّة جعله كلمة (محبّة) .. وليس كلمة (حبّ) المستعملة مع البشر. ولذلك نجد في الكتاب العزيز أنه إذا كان الحبّ حاصلاً من البشر جاء بكلمة (حبّ)، وإذا كان إلقاء من الله تعالى كان بكلمة (محبّة) .. وهذا تخصيص لمعنى الكلمة يعود إلى الجهة أو المصدر.

الثاني: إن المحبة التي أُلقيت من الله تعالى على موسى استقرّت في ذات موسى، وأخذت تشعّ منها كما يشعّ الضوء من الشمس والنور من القمر والعبير من الزهرة .. ولهذا كان شذاها الطيّب يجذب الناس إليه ويجعلهم يحبّونه .. أما أحبّته آسية امرأة فرعون، فطلبت من فرعون ألا يقتله، وقالت: " قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ " (القصص: 9)؟ أما أحبّته ابنة شعيب، وهو طريد شريد، بعد أن سقى الغنم التي كانت ترعاها وأختها، فطلبت من أبيها أن يستأجره: " قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ " (القصص: 26) .. ثم كانت النتيجة أن تزوّج منها؟ أما أحبّه النبي شعيب عليه السلام، فعرض عليه أن يزوّجه ابنته مقابل أن يرعى له أغنامه ثماني حجج: " قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ " (القصص: 27) .. ؟

أما الحبّ الذي يوجهه البشر إلى الأشياء، أو إلى بعضهم بعضًا .. فلا يحصل عنه فيض أو إشعاع للمحبوب يجعله – بفضل هذا الحبّ – محبوبًا عند بني البشر أو عند غير من أحبّه من الناس .. لهذا كان لزامًا أن يعبّر عن الحبّ الصادر عن الناس بكلمة (حبّ)، وعن الحبّ الملقى من الله تعالى على عبد من عباده بكلمة أخرى (محبّة).

الثالث: إن المصدر أشيع في الاستعمال من المصدر الميمي أو اسم المصدر .. وهو هنا كذلك. والشائع يناسبه أن يُستعمل مع الكثرة، أما النادر فيناسبه أن يُستعمل مع القلّة .. ولهذا استُعملت كلمة (حبّ) مع البشر لأنهم كثرة .. واستُعملت كلمة (محبّة) مع الله تعالى لأنه ليس موضوعًا للكثرة، بل هو الوحدانية عينها .. فناسبت كل كلمة من الكلمتين ما جاءت له.

والله تعالى أعلم

ـ[جمال حسني الشرباتي]ــــــــ[23 - 08 - 2005, 05:57 ص]ـ

أين المزيد؟

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير