[حكمة التكرار في القرآن الكريم]
ـ[أحلام]ــــــــ[12 - 07 - 2005, 01:23 ص]ـ
a- كرر القرآن في سورة الرحمن نيفا وثلاثين مرة قوله تعالى ({فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} الرحمن13 متسائلا عما يستطيع أن ينكره الجن والأنس مما أولاهما الله من نعم,
- فلعل في هذا السؤال المتكرر ما يثير في نفس سامعيه اليقين بأنه ليس من الصواب نكران نعم تكررت وآلاء توالت.
- وهنا يحسن أن يشار إلى ما قد يبدو حينا من أن لا وجه لهذا التساؤل بعد بعض آيات السورة , كما يتراءى ذلك في قوله سبحانه وتعالى: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ {26} وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ {27} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ {28} فأي نعمة يذكر بها الجن والإنس في فناء هذا العالم؟
- ولكن تأملا في هذه الآيات وما ورد من هذا السؤال بعد وصف اليوم الآخر وأهواله, يدل على أن مثل هذا السؤال, سيوجه بعد فناء هذا العالم, فكان القران يقرر أن سيلقى مثل هذا السؤال يوم تنشق السماء, ويوم يعرف المجرمون بسيماهم ,أفلا يجدر بالمرء أن يفكر طويلا ,كما أوحى القرآن بذلك في تلك الآلاء والنعم فيقوم بواجب الإيمان بالنعم وشكرها ,حتى لا يقف موقف الجاحد لهذه النعم يوم يحاسب الله الثقلين .....
- وكررت في سورة المرسلات تلك الجملة المنذورة وهي قوله تعالى {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} المرسلات15وإذا نظرنا إلى هذه السورة وجدناها تتحدث عن وقوع اليوم الآخر وتصفه, فلا جرم كرر هذا الإنذار عقب كل وصف له أو فعل يقع فيه أو عمل من الله يدل على قدرة يحي بها الناس بعد موتهم وفي هذا التكرير ما يوحى بالرهبة ويملأ القلب رعبا من التكذيب بهذا اليوم الواقع بلا ريب,
- وفي سورة الشعراء كررت الآية الكريمة وهي قوله تعالى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ} الشعراء ثمان مرات وكانت متمكنة من موضعها في كل مكان حلت فيه.
- فقد جاءت في هذه السورة أولا بعد أن وجه القرآن نظرهم إلى الأرض, أو ليس فيما تنبته من كل زوج بهيج ما يثير في نفس التأمل لمعرفة خالق الأرض ومحييها
- واستمع إليه سبحانه يقول (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ {7} إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ {8} وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ {9}) ...
- ويكرر الآية في موضع آخر تحدث فيه عن انفلاق البحر لموسى ونجاته وغرق فرعون وتلك آية من اكبر دلائل قدرته سبحانه فهي جديرة بتسجيلها والإشارة إليها, قال تعالى ({فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} الشعراء63)
- وكررت تلك الآية ست مرات أخرى عقب كل ما يجدر أن يكون عظة يعتبر بها, كتصوير جند إبليس, وقد كبكبوا في جهنم, واخذوا يختصمون فيما بينهم ويقررون أنهم كانوا في ضلالة وعمى ويتمتعون لو عادوا ليصلحوا ما أفسدوه أو ليس في ذلك عقب قصة صالح ولوط وشعيب لان مصير أقوامهم حقيق بان تتلقى منه العظات والعبر, وكان تلك الآية المكررة تشير إلى مرحلة من القول يحسن الوقوف عندها, والتريث لتدبيرها, وتأمل ما تحوى من دروس تستفاد مما مضى من حوادث التاريخ ...
- وختم الآية بوصفه تعالى بالعزة والرحمة فيه كل المناسبة للحديث عن مصير الكافر والمؤمن فهو عزيز يعاقب الكافر ورحيم بمن آمن ..
- وتجد الآية التي كررت في سورة القمر وهي قوله سبحانه {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} القمر 17 - منبهة في كل موضع وردت فيه إلى أن ما سيأتي بعدئذ مما عنى القرآن بالحديث عنه, تذكر ة وعظة, وهو لذلك جدير بالتأمل الهادئ والتدبر والادكار ...
- وقد يحدث التكرر في آيتين متواليتين, كما في قوله سبحانه} وَللّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ غَنِيّاً حَمِيداً {131} وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً {132}. وذلك لتثبيت الإيمان بغنى الله عن عبادة العابد في قلوب الناس ليقبلوا على العبادة مؤمنين بأنها لخيرهم وحدهم, بل قد يكون التكرير في الآية الواحدة وذلك لتثبيت المكرر في النفس كما قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} الحشر18)
- وقوله تعالى {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ} آل عمران42
- ويوحى التكرير في سورة (الكافرين) باليأس إلى قلوب من كفر من أن ينصرف الرسول عن دينه إلى ما كان يعبد هؤلاء الكفرة فليتدبروا أمرهم بينهم مليا, ليروا سر هذا الإصرار من محمدصلى الله عليه وسلم , فعساهم يدركون إن هذا السر هو أن الرسول على حق, فيما يدعو إليه, فلم ينصرف عنه إلى أديان لا سند لها من الصواب والحق ....
- من كتاب (من بلاغة القرآن) للمؤلف أحمد أحمد بدوي