تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من روائع الإعجاز البلاغي واللغوي في القرآن الكريم.]

ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[23 - 08 - 2005, 01:37 ص]ـ

لقد أعيت فصاحة القرآن الكريم وبلاغته كل الفصحاء والبلغاء الذين وقفوا وقفة إجلال وتعظيم أمام هذا الإعجاز المضطرد.

روى هشام, أحد أصحاب الإمام جعفر الصادق بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب:

اجتمع في بيت الله الحرام أربعة من مشاهير الدهرية وأعاظم الأدباء وكبار الزنادقة وهم عبد الكريم بن أبي العوجاء وأبو شاكر ميمون بن ديصان وعبد الله بن المقفع وعبد الملك البصري فخاضوا في الحج ونبي الإسلام وما يجدونه من الضغط على أنفسهم من قوة أهل الدين ثم استقرت آراؤهم على معارضة القرآن الذي هو أساس الدين ومحوره. . فتعهد كل واحد منهم أن ينقض ربعاً من القرآن إلى السنة الآتية ... ولما اجتمعوا في الحج القابل وتساءلوا عما فعلوا اعتذر ابن أبي العوجاء قائلاً أنه أدهشته آية:

" قل لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا " (1)

فأشغلته بلاغتها وحجتها البالغة.

وأعتذر الثاني قائلاً أنه أدهشته آية:

" ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب). (2)

فأشغلته عن عمله ...

وقال ثالثهم أدهشتني آية نوح:

(وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعداً للقوم الظالمين).

فأشغلتني الفكرة عن غيرها.

وقال رابعهم أدهشتني آية يوسف: (فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا). (4)

فأشغلتني بلاغتها الموجزة عن التفكير في غيرها.

قال هشام وإذا بأبي عبد الله الصادق يمر عليهم ويومئ إليهم قائلاً:

" قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً " (5) ... (6) .... انتهى

انطلاقا من هذه القصة التي تصور عجز البشر مهما أوتوا من قوة عن تحدي القرآن, ننطلق وإياكم لنتأمل في بعض الأسرار البلاغية واللغوية في القرآن الكريم, حيث يمثل هذا أحد جوانب فهم بعض أسراره العظيمة, وكنوزه الثمينة.

---

(1) سورة الأنبياء: الآية 22

(2) سورة الحج: الآية 73

(3) سورة هود: الآية 44

(4) سورة يوسف: الآية 80

(5) سورة الإسراء: الآية 8

(6) المعجزة الخالدة لهبة الدين الشهرستاني.

ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[23 - 08 - 2005, 02:31 م]ـ

سأبدأ رحلتي قي رياض القرآن مع الآيات التي تقدم ذكرها, وسنبدأ بهذه الآية الشريفة:

وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ المَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) 44 هود

قال فيها طائفة من علماء العرب: إن هذه الآية تعد أفصح آيات القرآن وأبلغها, وإن كانت آياته جميعا في غاية البلاغة والفصاحة. (1)

وروى أن أعرابيا سمع بهذه الآية فقال: هذا كلام القادرين. (2)

في هذه الآية صور بلاغية في قمة الروعة والجمال.

لا عجب في ذلك, فإن هذه الآية مع قصرها قد احتوت على أكثر من خمسة وعشرين فنا بلاغيا, وقد ذكر ابن أبي الاصبع أن فيها عشرين ضربا من البديع.

هذه الآية تصور حدثا تاريخيا ثابتا بعبارات موجزة مختصرة, تحتوي على لمسات بلاغية في غاية الجمال.

لننظر إلى هذه الآية الشريفة من زوايا أربع:

- علم البيان.

- علم المعاني.

- الفصاحة المعنوية.

- الفصاحة اللفظية.

يتجلى في هذه الآية النظم المحكم للمعاني وتأديته لها بشكل جلي بعيد عن الغموض والتكلف, وهذا ما يعبر عنه بالفصاحة المعنوية.

كما أن ألفاظ هذه الآية من الألفاظ العربية السلسة, البعيدة عن التنافر, المتدفقة بكل عذوبة ورقة, وهذا ما يعبر عنه بالفصاحة اللفظية.

تأملوا هذا المقطع:

" وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي "

فيه إشارة موجزة إلى اشتراك السماء والأرض في عملية إطغاء الماء بأمر الله سبحانه وتعالى.

قيل: كلمة تحتوي داحلها الشيء الكثير, أُريد منها التعبير على سبيل المجاز عن الإرادة.

ياأرض ... يا سماء ...

الخطاب موجه إلى الجماد, مسبوقا بياء النداء.

كذلك تأملوا الترتيب في الجمل:

يا أرض ابلعي, وياسماء اقلعي.

تم تقديم أمر الأرض على أمر السماء, لأنها كانت ابتداء الطوفان.

لا حظوا الاستعارة في (ابلعي) و (اقلعي)

لاحظوا الطباق بين السماء الأرض.

لا حظوا المجاز في (يا سماء) فالتقدير: يا مطر السماء.

تأملوا هذه المقاطع:

(قيل)

(قضي الأمر)

(قيل بعدا)

لم يُصرح باسم الفاعل في هذه المقاطع الثلاثة, بل جاءت الأفعال في صيغة المبني للمجهول, وذلك من باب التعظيم, حيث أن هذه الأحداث التي تمت إنما فاعلها واحد لا يشاركه في أفعاله أحد, وأنه فاعل قادر مكون قاهر.

تأملوا هذين المقطعين:

وَغِيضَ المَاءُ (حذف الفاعل وهو الأرض)

وَاسْتَوَتْ عَلَى الجُودِيِّ - (حذف الفاعل وهو السفينة)

تأملوا التجانس اللغوي في الكلمتين (اقلعي) و (ابلعي).

تأملوا هذا المقطع القرآني مرة أخرى:

(يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ المَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ)

أمر إلهي يصدر إلى الجمادات فتستجيب لأمره.

على ما ذا يدل هذا؟

الفائدة الأولى:

توجيه النداء الإلهي إلى السماء والأرض بخطاب كأنه موجه إلى العقلاء والمميزين (اقلعي - بلعي) , وتستمع السماء والأرض لهذا الخطاب فتستجيب له.

معروف أن السماء والأرض من الموجودات الضخمة جدا, ولذا فإن وجود متصرف وقادر يمتلك القدرة في أن تستجيب هذه الأشياء الضخمة لأمره, ليدل على عظمته اللامتناهية وقوته النافذة.

الفائدة الثانية:

إذا كانت القدرة الألهية تنفذ إلى الجمادات فنفوذها إلى الأحياء سيكون من باب أولى.

---

(1) تفسير الأمثل المجلد6.

(2) التفسير المحيط لأبي حيان الأندلسي.

لا زال البحث مستمرا حول هذه الآية:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير