تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[بلاغة التشبيه في القرآن الكريم]

ـ[الفارسي]ــــــــ[23 - 09 - 2005, 09:16 م]ـ

بَلاغة التشبيه في القرآن الكريم - د. علي ميرلوحي فلاورجَاني1

*مقدمة:

إن فن التشبيه هو أحد الأركان الأساسية للبلاغة العربية وفصل هام من فصول الإعجاز البياني للقرآن الكريم ما زال ولا يزال موضع اهتمام مفكري علماء المسلمين الدائبين على معرفة بلاغة القرآن.

والذي نحن بصدده في هذا المقال ليس هو البحث عن أركان التشبيه ومسائلها وأحكامها؛ فقد كفانا علماء البلاغة مؤونة البحث عنها في كتبهم؛ بل الذي نهدف إليه هنا إثبات أمرين:

الأول: إن التشبيه فن من فنون التعليم وأسلوب من أساليب التفهيم ونقل المعاني العلمية والأدبية إلى الآخرين؛ كما يكون وسيلة لإثبات حقائق نظرية أو تجريبية؛ ولذلك يجب الاهتمام به في نطاق أوسع من نطاق الموضوعات التي كانت تحدده وتحصره حتى الآن، ومعرفة هذا الأمر مما لابد منه لورود صميم البحث عن بلاغة القرآن.

الثاني: إن القرآن استعمل التشبيه لتبين الحقائق العلمية والعملية والمحسوسة والمعقولة، وجعله وسيلة لإثباتها وإقامة البرهان لها؛ وبالتالي تكون أساليب التشبيه في القرآن خير شاهد على ما ادعيناه من عموم نطاقه وشموله المجالات العلمية والأدبية كافة:

ونبحث عن هذين الأمرين في قسمين:

القسم الأول: استخدام التشبيه أولاً كدليل لإثبات الحقائق وثانياً كأداة لإيضاح المعنى المقصود.

القسم الثاني: استعمال التشبيه في القرآن الكريم للغرضين المذكورين وبعد هذه المقدمة الوجيزة نبدأ مقالنا بتفصيل القسم كالآتي:

القسم الأول: استخدام التشبيه لإثبات الحقائق ولتوضيح المعنى. إن دراسة الأغراض التي ذكرها البلاغيون، للتشبيه لا تترك مجالاً للشك في أن الغرض الرئيسي من هذا الفن إما إثبات الحقائق أو تبيين مراد المتكلم وتوضيحه: فإنهم ذكروا فيما ذكروا من أغراضه:

1 ـ بيان إمكان المشبه بإيراد التشبيه كبرهان له؛ كما في قول الشاعر:

"فإن تفق الأنام وأنت منهم فإن المسك بعض دم الغزال"

فقد أراد الشاعر أن يثبت لممدوحه "أنه فاق الأنام وفاتهم (3). إلى حد بطل معه أن يكون بينه وبينهم مشابهة ومقاربة؛ بل صار كأنه أصل بنفسه وجنس برأسه، وهذا أمر غريب، وهو أن يتناهى بعض أجزاء الجنس في الفضائل الخاصة به إلى أن يصير كأنه ليس من ذلك الجنس، وبالمدعى له حاجة أن يصحح دعواه في جواز وجوده على الجملة إلى أن يجيء إلى وجوده في الممدوح؛ فإذا قال: (فإن المسك بعض دم الغزال)، فقد احتج لدعواه وأبان أن لما ادّعاه أصلاً في الوجود" (4).

والأغراض الثلاثة الباقية يعود أمرها إلى الإيضاح والتبيين وتفهيم المعنى وتقريبه إلى ذهن السامع أو قلبه بأخصر بيان وأبلغ كلام؛ فإذا قال القائل:"هو كالراقم على الماء" (5) في تقرير حال من لا يحصل من سعيه على طائل، فقد أخرج المعنى من صورته المعقولة إلى صورة مشابهة لها محسوسة، ووضعه على مسرح الحس والعيان، وفي تبيين مقدار حال المشبه في قوله تعالى: (الزجاجة كأنها كوكب درّيٌّ ((6). ينتقل المخاطب والسامع من الوصف بالسماع إلى الرؤية بالأبصار، وهذا غاية في البلاغة والبيان، وكذا يحصل للسامع في بيان حال المشبَّه في قوله ـ تعالى ـ: (يوم نطوي السماء كطي السِّجل للكتب ((7). من تصور حال المشبَّه ووضوحه مالا يخلفه أي تعبير ولا يسد مسدَّهُ أي بيان.

وقد ذكروا من أغراض التشبيه أيضاً تزيين المشبَّه أو تشويهه أو استطرافه (8)، ولا يخلو أي منها من إفادة بيان وتوضيح.

فتبين بما ذكرنا أن أغراض التشبيه كلها تدور حول محورين أساسيين:

الأول: استخدامه كبرهان لإثبات الحقائق.

الثاني: الاستفادة منه كأحسن أداة لنقل المعنى إلى السامعين بحيث يفهمونه في أول ما يلقى إليهم مقروناً بالتشبيه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير