[المحكم والمتشابه .. من كلام العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله]
ـ[فيصل القلاف]ــــــــ[25 - 07 - 2005, 02:45 م]ـ
الحمد لله الذي تكلم بالقرآن، هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان.
أما بعد، فهذا فصل من رسالة فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله في أصول التفسير، وهو خلاصة مبحث المحكم والمتشابه.
قال رحمه الله:
القرآن محكم ومتشابه
يتنوع القرآن الكريم باعتبار الإحكام والتشابه إلى ثلاثة أنواع:
النوع الأول: الإحكام العامّ الذي وصف به القرآن كله. مثل قوله تعالى: (كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير) وقولِه: (الر، تلك آيات الكتاب الحكيم) وقولِه: (وإنه في أمّ الكتاب لدينا لعلي حكيم).
ومعنى هذا الإحكام الإتقان والجودة في ألفاظه ومعانيه، فهو في غاية الفصاحة والبلاغة، أخباره كلها صدق نافعة، ليس فيها كذب ولا تناقض ولا لغو لا خير فيه، وأحكامه كلها عدل وحكمة، ليس فيها جور ولا تعارض ولا حكم سفيه.
النوع الثاني: التشابه العام الذي وصف به القرآن كله. مثل قوله تعالى: (الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله).
ومعنى هذا التشابه أن القرآن كلَّه يشبه بعضه بعضاً في الكمال والجودة والغايات الحميدة، (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً).
النوع الثالث: الإحكام الخاص ببعضه، والتشابه الخاص ببعضه. مثل قوله تعالى (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب).
ومعنى هذا الإحكام أن يكون معنى الآية واضحاً جلياً لا خفاء فيه، مثل قوله تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائلَ لتعارفوا) وقولِه: (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون) وقولِه: (وأحل الله البيع) وقولِه: (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به)، وأمثال ذلك كثيرة.
ومعنى هذا التشابه أن يكون معنى الآية مشتبهاً خفياً بحيث يتوهم منه الواهم ما لا يليق بالله تعالى أو كتابه أو رسوله، ويفهم منه العالم الراسخ في العلم خلافَ ذلك.
مثاله فيما يتعلق بالله تعالى أن يتوهم واهم من قوله تعالى: (بل يداه مبسوطتان) أن لله يدين مماثلتين لأيدي المخلوقين.
ومثاله فيما يتعلق بكتاب الله تعالى أن يتوهم واهم تناقض القرآن وتكذيب بعضه بعضاً حين يقول: (ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك) ويقول في موضع آخرَ: (وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله).
ومثاله فيما يتعلق برسول الله أن يتوهم واهم من قوله تعالى: (فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرأون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين) ظاهره أن النبي صلى الله عليه وسلم كان شاكاً فيما أنزل إليه.
موقف الراسخين في العلم والزائغين من المتشابه:
إن موقف الراسخين في العلم من المتشابه وموقفَ الزائغين منه بينه الله تعالى، فقال في الزائغين: (فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله)، وقال في الراسخين في العلم: (والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا). فالزائغون يتخذون من هذه الآيات المشتبهات وسيلة للطعن في كتاب الله وفتنةِ الناس عنه وتأويلِه لغير ما أراد الله تعالى به فيَضلون ويُضلون.
ويقولون – الراسخون في العلم - في المثال الأول: إن لله تعالى يدين حقيقتين على ما يليق بجلاله وعظمته، لا تماثلان أيدي المخلوقين، كما أن له ذاتاً لا تماثل ذواتِ المخلوقين، لأن الله تعالى يقول: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير).
¥