ولكن في آية آل عمران جاء عكسه، أي قدّم فيها " الْهُدَى " على " هُدَى اللّهِ "، قال تعالى: " وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللّهِ أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ " (آل عمران: 72 - 73).
وقد يكون في هذا التقديم والتأخير ما يعين على فهم المقصود من (الهدى) في هذه الآيات الكريمات ..
فإذا نظرنا في هذه المواضع نظرة فاحصة وجدنا أن تقديم (هدى الله) له سبب اقتضاه في الموضعين الأول والثاني. إذ هو آت نصّاً من أول الأمر على أن (هدى الله هو الهدى)، في معرض حديث يُدّعى فيه أن غير الله له هدى.
ففي البقرة ادّعى ذلك يهود ونصارى، ومن أجل مدعاهم هذا لا يرضون إلا عمن اتّبعهم وصدّقهم: " وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ". فكأنهم يرفضون أن يكون هدى غير ما هم عليه منكرون لما سواه. فجاءت الآية مفنّدة دعواهم: " قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ "، أي: لا هداكم ولا هدى غيركم. يقول النسفي: وهدى الله هو الهدى كله ليس وراءه هدى.
وكذلك في الأنعام: " لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا "، فالأصحاب يدّعون أن لهم هدى، فسلك القرآن هنا مسلكه في آية البقرة لوجود السبب في الموضعين.
أما تقديم (الهدى) في آل عمران على (هدى الله)، فلأن القوم هنا لم يبدُ منهم إنكار، أو دعوى استئثارهم بالهدى، بل هم مقرّون بذلك، وإنما يريدون أن يفتنوا مَن هم على هدى: " الَّذِينَ آمَنُواْ "، عمّا هم عليه ليستأثروا هم بهدى الله حسداً من عند أنفسهم أن يؤتى أحداً مثلما أوتوا. فجاءت الآية الكريمة: " قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللّهِ "، اعتراضاً مبيناً لوهمهم فيما حسبوا أنهم قادرون عليه من إضلال المؤمنين.
فتعريف (الهدى) بالألف واللام، وجعله موضوعاً للحديث والحكم عليه بأنه (هدى الله)، هو التعبير الأنسب للمقام في (الـ) من معنى الاستغراق. ففي العبارة قصر أفراد.
والله أعلم
ـ[عزام محمد ذيب الشريدة]ــــــــ[10 - 09 - 2005, 10:38 ص]ـ
قال تعالى: إن هدى الله هو الهدى" (اّل عمران 71) (والبقرة120)
والأصل هو تقديم المعرف بأل على المعرف بالإضافة لأنه أعرف منه، ولكن عدل عن الأصل من أجل الغرض البلاغي وهو قصر القلب أو القصر المقلوب، وقد جاءت الاّيتان في سياق رد الله سبحانه وتعالى على اليهود والنصارى الذين يدّعون أن شرائعهم المحرفة هي الهدى الكامل ويرفضون أن يكون هناك هدى غير هداهم وغير ما هم عليه، فجاءت الاّية تفند دعواهم "قل إن هدى الله هو الهدى"أي لا هداكم ولا هدى غيركم، فهدى الله هو الهدى وليس وراءه هدى، فناسب الرد عليهم تقديم هدى الله وهو الإسلام لدحض مزاعمهم وأقوالهم ومن أجل حصر الهداية عليه، يعني أن الإسلام هو الهدى الحق أما ما تدّعون فهو هوى وليس هدى.
والله أعلم
ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[10 - 09 - 2005, 11:34 م]ـ
إضافة إلى ما تفضل به الأخوة الكرام:
(قل إن هدى الله هو الهدى) - البقرة: 120
يتضح في هذه الآية فن القصر القلبي.
- أضاف الهدى إليه سبحانه وتعالى.
- جيء بإن للتأكيد
- إعادة الهدى وجعله نفس الهدى المصدري, , معرفا بالألف واللام , وهو مما قيل أن ذلك يدل على الحصر, فعندما نقول: علي العالم فكأنه أريد أنه هو المخصوص بالعلم والعلم محصور فيه.
- توسيط ضمير الفصل.
أما في قوله تعالى:
{وَلاَ تُؤْمِنُو?اْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ ?لْهُدَى? هُدَى ?للَّهِ أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مِّثْلَ مَآ أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ ?لْفَضْلَ بِيَدِ ?للَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَ?للَّهُ وَ?سِعٌ عَلِيمٌ}. البقرة 72
" قُلْ إِنَّ ?لْهُدَى? هُدَى ?للَّهِ "
هذه جملة معترضة , يقولها الله سبحانه وتعالى , ضمن كلام على لسان اليهود في ما قبلها وما بعدها.
جاء قوله تعالى: " قُلْ إِنَّ ?لْهُدَى? هُدَى ?للَّهِ " معترضاً بين الفعل ومتعلقه.
في هذه الآية جواب من الله سبحانه وتعالى على ما تقدم لليهود من كلام من قولهم " آمنوا بما أنزل " إلى قولهم " دينكم"
هذا الرد مع قصره, إلا أنه عميق في معناه, ففيه إشارة إلى أنه سبحانه وتعالى مصدر الهداية, ولذا فهي لا تختص بقوم دون آخرين , ولذا ليس ضروريا أن يكون النبي يهوديا.
والفائدة الثانية التي تشير إليها هذه الآية هي أن الناس الذين شملهم فضل الله وهدايته لا يتأثرون بهذه المؤامرات والدسائس.
¥