ـ[جمال حسني الشرباتي]ــــــــ[11 - 08 - 2005, 07:31 ص]ـ
دائما أجد ضالتي عندك فأبقاك الله لنا أخ لؤي إنّه نعم المولى ونعم النصير
ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[17 - 08 - 2005, 01:46 ص]ـ
عند التمعّن في مسالة تجرّد رسل الله جميعاً عن المصلحة الخاصّة لدى أممهم، نجد أن الله عزّ وجلّ أنزل اثني عشر نصّاً تكامل فيها عقد هذا الموضوع بكل ما يتطلّبه من أفكار، بصورة مدهشة معجزة، ونبيّنها فيما يلي:
أولاً:
في اول الأمر خاطب الله تعالى رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بقوله في سورة القلم: " أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ " (ترتيب المصحف 68، ترتيب النزول: 2، الآية: 48). فكان هذا أول ما نزل في هذا الموضوع، وجاء بأسلوب التعجّب من إعراضهم على دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم، مع أنه لم يسألهم أجراً على ما يقدّم لهم من نصح، فهو غير ذي مصلحة شخصية عندهم.
ثانياً:
ثم أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يصرّح لقومه بأنه لا يسألهم أي أجر على ما يقوم به من أجل هدايتهم حرصاً على نجاتهم وسعادتهم، فأنزل الله عزّ وجلّ عليه قوله في سورة ص: " قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ * إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ * وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ " (مصحف: 38، نزول: 38، الآيات: 86 - 88).
ثالثاً:
وبعد أن صار للرسول صلى الله عليه وسلم أتباع من المؤمنين الصادقين، وكانوا شديدي الحرص على بذل كل ما لديهم لرسول الله تقرّباً بذلك إلى الله تعالى، ولئلا يفهموا من النصين السابقين أن الله عزّ وجلّ قد منعه أن يقبل أي شيء ممن آمن به واتبعه، أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم قوله في سورة الفرقان: " قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَن شَاء أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا " (مصحف: 25، نزول: 42، الآية: 57).
رابعاً:
ثم أنزل الله تعالى على رسوله بيان ما قاله كل من نوح وهود وصالح ولوط وشعيب عليهم السلام لأقوامهم، وأن كل رسول منهم قال لقومه في سورة الشعراء: " وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ " (مصحف: 26، نزول: 47، الآيات: 109 - 127 - 145 - 164 - 180).
خامساً:
ثم أنزل الله عزّ وجلّ على رسوله صلى الله عليه وسلم أنه إن تولّى قومه ولم يؤمنوا به، فلم يكن منه مطالبة لهم بأجر، حتى يكون متّهماً في نفوسهم بأنه دعاهم لمصلحة له عندهم، فقال سبحانه في سورة يونس: " فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ " (مصحف: 10، نزول: 51، الآية: 72).
سادساً:
ثم انزل الله تعالى بيان مقالة أخرى قالها نوح عليه السلام لقومه في سورة هود: " وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّيَ أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ " (مصحف: 11، نزول: 52، الآية: 29).
سابعاً:
وأنزل في سورة هود أيضاً مقالة قالها هود عليه السلام لقومه، فقال عزّ وجلّ فيها: " وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ * يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلاَ تَعْقِلُونَ " (مصحف: 11، نزول: 52، الآيات: 50 - 51).
ثامناً:
ثم ألمح الله تعالى إلى حرص رسوله صلى الله عليه وسلم على أن يؤمن الناس جميعاً، ولكنه أيأسه من ذلك، وشهد سبحانه لرسوله بأنه لا يسأل قومه أجراً على ما يقوم به من أجلهم، فقال تعالى في سورة يوسف: " وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ * وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ " (مصحف: 12، نزول: 53، الآيات: 103 - 104).
تاسعاً:
ثم أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يؤكّد مقالته لقومه بأنه لا يسألهم أجراً، مقتدياً بهدى الرسل عليهم السلام من قبله، فأنزل عليه قوله في سورة الأنعام: " أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ " (مصحف: 6، نزول: 55، الآية: 90).
عاشراً:
ثم أرشد الله تعالى رسوله إلى محاجّة قومه بأنه ليس صاحب مصلحة شخصية عندهم، إذ يدعوهم إلى دين الله، فهو لم يطلب منهم أي أجر على دعوته وتعليمه ونصحه، وذلك في قوله تعالى في سورة سبأ: " قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ " (مصحف: 34، نزول: 58، الآية: 47).
حادي عشر:
ثم أرشد الله تعالى رسوله أن يستثني من عموم الأجر خصوص المودّة في القربى، مع أن هذه المودّة ليست من قبيل الأجر، وإنما هي من مظاهر صدق الإيمان، فأنزل عليه قوله في سورة الشورى: " قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى " (مصحف: 42، نزول: 62، الآية: 23).
ثاني عشر:
وبعد معالجة هذا الموضوع بالحكمة الرفيعة التي سبق بيانها، وكان ذلك خلال المرحلة المكية التي أوشكت أن تنتهي، ختم الله عزّ وجلّ الموضوع بمثل ما بدأه به في سورة القلم، فأنزل الله عزّ وجلّ على رسوله صلى الله عليه وسلم قوله في سورة الطور: " أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ " (مصحف: 52، نزول: 76، الآية: 40).
فاكتمل بذلك عقد الموضوع من كل أطرافه، وظهرت حركيّة التربية في مراحلها الزمنية، خلال المدّة المكيّة من دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بصورة عجيبة مدهشة.
فسبحان الذي لا يصل إلى مستوى كلامه كلام .. بل كلامه يعلو على كل كلام ..