تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أما صيغة (وُدّ) فلم ترد إلا مرة واحدة، في قوله تعالى: " إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا " (مريم: 93 - 96).

فلماذا وردت (وُدّاً) إلى جانب ورود (مودّة)؟

لدى التأمّل في كل من الصيغتين، حسب السياق الذي وردت فيه، نجد بينهما فرقين:

الأول: يتعلّق بفاعل كل منهما: فـ (الودّ) فاعله المباشر هو لفظ الجلالة " سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا "، وهو مصدر الفعل (وَدّ). أما (المودّة)، ففاعلها المباشر هو البشر في المرات الثماني التي وردت فيها، وهي مصدر ميمي للفعل (وَدّ). ونقول فاعلها المباشر لأن الفاعل الحقيقي هو الله تعالى، إذ إن الأفعال تجري بقدر من الله، بناء على السنن التي أودعها سبحانه في الأشياء. والودّ يكون منبعثاً من طرف إلى طرف آخر، قد يشاركه الودّ وقد لا يشاركه، لذلك قال تعالى: " سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا " في قلوب العباد، سواء أودّوا هم العباد أم لم يودّوهم، وإن كان الذي يستحق هذه العاطفة من العباد يمنحها هو لهم. أما المودّة فهي عاطفة متبادلة بين طرفين، ولذلك وردت في ألوان من السياق تتضمّن عبارة (بَيْنَ وَبَيْنَ) .. دلالة التبادل بين الطرفين.

الثاني: يتعلّق بالسياق: فالودّ ورد في سياق لفظي لا تغني فيه (مودّة)، لأن الفواصل التي تحيط بها كلها انتهت بدال وبألف منونة (داً) مثلها، منها (عداً، فرداً، وداً، لداً). أما المودّة فقد وردت في درج السياق في كل المواطن الثمانية التي وردت فيها، مما لا يجعل لها بروزاً مكانياً كصيغة (وداً) التي جاءت فاصلة. فحسن أن تتماثل مع الفواصل الأخرى التي تحيط بها.

فالودّ من الله تعالى إلى العباد، والمودّة دائرة بين العباد، أي: من العباد إلى العباد.

والله أعلم

الحمد لله

ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[15 - 08 - 2005, 09:34 م]ـ

" إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا "

هذه الآية تستحق أن يقف المرء عندها, كسائر آيات القرآن الأخرى الزاخرة بكنوز العطاء.

تشير هذه الآية إلى وعد جميل من الله سبحانه وتعالى, بأنه سيجعل للذين آمنوا وعملوا الصالحات محبة في القلوب, ولم يقيد هذه المحبة بأي قيد, فلم يحصرها فبما بينهم أنفسهم, ولا بغيرهم.

ينعكس الإيمان بالله سبحانه وتعالى والاعتقاد بوحدانيته , على سلوك الإنسان, عندما تكون التقوى والطهارة والصدق القولي والعملي, مظاهر خارجية لذلك الإيمان الحقيقي المتجلي في سلوك الإنسان, والذي سيخلق لهذا الإنسان قوة جاذبة, تجعل الآخرين يحبونه, حتى لو كان أولئك الآخرون لا يحملون هذه المنزلة من الإيمان.

إن هذه الآية تشير إلى قوة التلاحم بين الإيمان والعمل الصالح, حيث أن ذلك يخلق لصاجبه نور محبة تسع أرجاء الكون, وإن الله سبحانه وتعالى يحب أمثال هؤلاء, فهم محبوبون عند كل أهل السماء, ويقذف الله حبهم في قلوب أهل الأرض.

وفي الأحاديث الشريفة ما يؤيد هذا.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير