تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ففي سورة الكهف، وفي قصّة موسى عليه السلام مع العبد الصالح، وفي مسألة أهل القرية التي بنى فيها العبد الصالح جداراً، نرى في بداية هذه المسألة اسم (القرية): " فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا ". ونرى أن هذه القرية ذاتها يسمّيها الله تعالى في القصّة ذاتها بـ (المدينة): " وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ ". ولمعرفة الحكمة من ورود هاتين الكلمتين في وصف ذات الشيء، نلجأ إلى مشتقات جذر كل منهما.

فبالعودة إلى مشتقات الجذر (م د ن) في القرآن الكريم، وكذلك إلى مشتقات الجذر (ق ر ا)، نجد ما يلي:

أولاً:

وردت كلمة (المدينة) في القرآن الكريم (14) مرة، جاءت فيها جميعاً معرّفة، ووردت كلمة (القرية) (33) مرة، جاءت فيها معرّفة وغير معرّفة.

ثانياً:

خوطبت (القرية) في القرآن الكريم كذات تؤمن وتُسأل وتملك القوة وتهلك وتفسد وتعتو عن أمر ربّها، وبالتالي خوطبت خطاب العقلاء، ولم تُخاطَب المدينة بهذه الصيغ:

قال تعالى: " فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ " (يونس: 98)

وقال تعالى: " وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيْرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا " (يوسف: 82)

وقال تعالى: " مَا آمَنَتْ قَبْلَهُم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ " (الأنبياء: 6)

وقال تعالى: " وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ " (الحج: 48)

وقال تعالى: " قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا " (النمل: 34)

وقال تعالى: " وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ " (محمد: 13)

وقال تعالى: " وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ " الطلاق: 8)

ثالثاً:

كلمة (أهل) تأتي مضافة إلى (القرية) وتأتي مضافة إلى (المدينة):

قال تعالى: " وَجَاء أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ " (الحجر: 67)

وقال تعالى: " قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ " (العنكبوت: 31)

وممّا سبق نرى أن المدينة هي صفة للجانب المادي الحضاري للتجمّعات البشرية، وهذه الصفة ظاهرة، وبالتالي معرّفة. لذلك نجد أن كلمة المدينة تأتي في القرآن الكريم معرّفة دائماً، ولم تأت ولا مرّة واحدة نكرة. أما القرية فتأتي وصفاً لجميع النشاطات البشرية والفكرية والعقائدية، التي منها الظاهر ومنها الخفيّ، فهي تصف الجانب البشري ونشاطه، ولذلك نجدها تأتي في القرآن الكريم معرّفة وغير معرّفة، كما أننا رأيناها تخاطَب كذات عاقلة تؤمن وتظلم ...

ولهذا نرى أن ورود كلمتي (القرية) و (المدينة) في قصّة موسى عليه السلام مع العبد الصالح، يأتي بشكل يوافق الموقف المناسب في كل حالة .. فطلب الطعام يتعلّق بالجانب البشري من كرم وغيره، وهذا يناسبه كلمة (قرية). وبناء الجدار يتعلّق بالجانب المادي الحضاري، وهذا يناسبه كلمة (المدينة). ومن هنا تبيّن لنا خصوصية كل كلمة منهما ..

والله أعلم

درر والله يا أخ لؤي

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير