تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الحادي عشر قال الخطابي () في كتابه وإليه ذهب الأكثرون من علماء النظر إن وجه الإعجاز فيه من جهة البلاغة لكن لما صعب عليهم تفصيلها صغوا فيه إلى حكم الذوق والقبول عند النفس

قال والتحقيق أن أجناس الكلام مختلفة ومراتبها في درجة البيان متفاوتة () ودرجاتها في البلاغة متباينة غير متساوية (فمنها البليغ الرصين الجزل ومنها الفصيح القريب السهل ومنها الجائز الطلق الرسل وهذه أقسام الكلام الفاضل المحمود دون النوع الهجين المذموم الذى لا يوجد فى القرآن شئ منه البتة

فالقسم الأول أعلاه والثانى أوسطه والثالث أدناه وأقربه فحازت بلاغات القرآن من كل قسم من هذه الأقسام حصة وأخذت من كل نوع شعبة فانتظم لها بامتزاج هذه الأوصاف نمط من الكلام يجمع صفتى الفخامة والعذوبة وهما على الانفراد فى نعوتهما كالمتضادين لأن العذوبة نتاج السهولة والجزالة والمتانة فى الكلام يعالجان نوعا من الوعورة فكان اجتماع الأمرين فى نظمه مع نبو كل منهما عن الآخر فضيلة خص بها القرآن يسرها الله بلطيف قدرته ليكون آية بينة لنبيه ودلالة على صحة ما دعا إليه من أمر دينه

وإنما تعذر على البشر الإتيان بمثله لأمور

منها أن علمهم لا يحيط بجميع أسماء اللغة العربية وأوضاعها التى هى ظروف المعانى والحوامل

ولا تدرك أفهامهم جميع معانى الأشياء المحمولة على تلك الألفاظ ولا تكمل معرفتهم باستيفاء جميع وجوه النظوم التى بها يكون ائتلافها وارتباط بعضها ببعض فيتوصلوا باختيار الأفضل عن الأحسن من وجوهها إلا أن يأتوا بكلام مثله

وإنما يقوم الكلام بهذه الأشياء الثلاثة لفظ حامل ومعنى به قائم ورباط لهما ناظم

وإذا تأملت القرآن وجدت هذه الأمور منه فى غاية الشرف والفضيلة حتى لا ترى

شيئا من الألفاظ أفصح ولا أجزل ولا أعذب من ألفاظه ولا ترى نظما أحسن تأليفا وأشد تلاءما وتشاكلا من نظمه وأما معانيه فكل ذى لب يشهد له بالتقديم فى أبوابه والرقى فى أعلى درجاته

وقد توجد هذه الفضائل الثلاث على التفرق فى أنواع الكلام وأما أن توجد مجمةعى فى نوع واحد منه فلم توجد إلا فى كلام العليم القدير الذى أحاط بكل شئ علما وأحصى كل شئ عددا

فخرج من هذا أن القرآن إنما صار معجزا لأنه جاء بأفصح الألفاظ فى أحسن نظوم التأليف مضمنا أصح المعانى من توحيد الله تعالى وتنزيهه فى صفاته ودعاء إلى طاعته وبيان لطريق عبادته فى تحليل وتحريم وحظر وإباحة ومن وعظ وتقويم وأمر بمعروف ونهى عن منكر وإرشاد إلى محاسن الأخلاق وزجر عن مساويها واضعا كل شئ منها موضعه الذى لا يرى شئ أولى منه ولا يتوهم فى صورة العقل أمر أليق به منه مودعا أخبار القرون الماضية وما نزل من مثلات الله بمن عصى وعاند منهم منبئا عن الكوائن المستقبلة في الأعصار الماضية من الزمان جامعا فى ذلك بين الحجة والمحتج له والدليل والمدلول عليه ليكون ذلك أوكد للزوم ما دعا إليه وإنباء عن وجوب ما أمر به ونهى عنه

ومعلوم أن الإتيان بمثل هذه الأمور والجمع بين أشتاتها حتى تنتظم وتتسق أمر تعجز عنه قوى البشر ولا تبلغه قدرتهم فانقطع الخلق دونه وعجزوا عن معارضته بمثله ومنقضته فى شكله ثم صار المعاندون له ممن كفر به وأنكره يقولون مرة إنه شعر لما رأوه منظوما ومرة إنه سحرلما رأوه معجوزا عنه غير مقدور عليه وقد كانوا يجدون له وقعا فى القلب وقرعا فى النفس يريبهم ويحيرهم فلم يتمالكوا أن يعترفوا به نوعا من الاعتراف ولذلك قالوا إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وكانوا مرة لجهلهم وحيرتهم يقولون) أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا (مع علمهم أن صاحبهم أمى وليس بحضرته من يملى أو يكتب شيئا ونحو ذلك من المور التى أوجبها العناد والجهل والعجز وقد حكى الله عن بعض مردتهم وهو الوليد بن المغيرة المخزومى أنه لما طال فكره فى القآن وكثر ضجره منه وضرب له الأخماس من رأيه فىالسداس فلم يقدر على أكثر من قوله) إن هذا إلا قول البشر (عنادا وجهلا به وذهابا عن الحجة وانقطاعا دونها

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير