تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الأخ الفاضل رجل صالح ..

إن كلام العلماء الذي أورده أخونا جمال لكافٍ ووافٍ لمعرفة الفرق بين علم التفسير والتدبّر. وكما هو معلوم لديكم، فإن لكل علم باب .. ومن أراد العلم من غير بابه خرج بما لا تقبله العقول، وجاء بما لا ينطلي إلا على قلوب الأغرار، ولو كانوا يُعدُّون عند الناس من الكبار ..

وأنت تقول - حفظك الله: وجب على العباد أن يتدبّروا، لا أن يفسّروا، حيث إن التفسير اختصّ به المولى عزّ وجلّ.

وهذا الكلام فيه من الخطورة بمكان، وبيان ذلك فيما يلي:

التفسير: هو الإيضاح والتبيين، ويُستعمل لغة في الكشف عن المعاني المعقولة. وأما اصطلاحاً، فهو بيان المراد من كلام الله تعالى. والكشف عن مراد الله تعالى لا نجزم به إلا إذا ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو عن بعض أصحابه الذين شهدوا نزول الوحي وعلموا ما أحاط به من حوادث ووقائع، وخالطوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجعوا إليه فيما أشكل عليهم من معاني القرآن الكريم.

والتدبّر: هو النظر في أدبار الشيء، والتفكير في عاقبته. وقد استُعمل في كل تأمّل يقع من الإنسان في حقيقة الشيء أو أجزائه أو سوابقه أو لواحقه أو أعقابه، وجاء على صيغة التفعّل، ليدلّ على تكلّف الفعل، وحصوله بعد جهد، فهو حصول النظر في الأمر المتدبَّر مرة بعد مرة.

والأصل - أخي الكريم - أن مرحلة التدبّر هذه تأتي بعد الفهم، إذ لا يمكن أن يُطلب منك تدبّر كلام لا تعقله، وهذا يعني أنه لا يوجد في القرآن الكريم ما لا يُفهم معناه مطلقاً، وأن التدبّر يكون فيما يتعلّق بالتفسير، أي أنه يتعلّق بالمعنى المعلوم.

ففي حثّ الله عزّ وجلّ عباده على الاعتبار بما في آي القرآن من المواعظ والبيّنات، ما يدلّ على أن عليهم معرفة تأويل ما لم يُحجب عنهم تأويله من آيه. لأنه محال أن يُقال لمن لا يفهم ما يُقال ولا يعقل تأويلَه: اعتبر بما لا فهم لك به ولا معرفةَ من القيل والبيان والكلام، إلا على معنى الأمر بأن يفهمه ويفقهه، ثم يتدبّره ويعتبر به. فأما قبل ذلك، فمستحيل أمره بتدبّره وهو بمعناه جاهل.

وإذا كان ذلك كذلك، وكان الله جلّ ثناؤه قد أمر عباده بتدبّره وحثّهم على الاعتبار بأمثاله .. كان معلومًا أنه لم يأمر بذلك من كان بما يدلّهم عليه آيُه جاهلاً. وإذ لم يجز أن يأمرهم بذلك إلا وهم بما يدلّهم عليه عالمون .. صحّ أنهم بتأويل ما لم يُحجب عنهم علمه من آيه الذي استأثر الله بعلمه منه دون خلقه - الذي قد تقدّمت صفته آنفًا - عارفون. وإذ صحّ ذلك، فسد قول من أنكر تفسير المفسرين من كتاب الله وتنزيله ما لم يُحجب عن خلقه تأويله ..

والله أعلم

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير