تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

العطف بـ (ثم) لتصوير الواقع تصويراً أميناً، لأن بين تصاعد الأبخرة المائية في الأفق، وبين تكوين السحاب منها فترات من الزمن، والتعبير عنه أولاً بـ (سحاباً) مجاز مرسل علاقته اعتبار ما سيكون، لأن مرحلة تصاعد الأبخرة سابقة على مرحلة تكوين السحاب. والتأليف هنا معناه الضمّ والجمع والتسخير، وعُبّر عن هذا الضمّ بالتأليف على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية، وسرّها سرعة الانقياد والالتئام كأنها قلوب متآلفة ينزع بعضها إلى بعض.

" ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا ":

العطف بـ (ثم) مرة أخرى للإعلام بمرحلة ثالثة من مراحل تكوين السحاب، وحملها لكتل هائلة من الماء تحجب ضوء الشمس ونور القمر، وتلطّف الهواء للحيلولة بينه وبين حرارة الشمس. أي يصير السحاب المؤلّف ركاماً بعد أن كان متفرّق الأجزاء. و (ركاماً): مصدر من الفعل ركم يركم، والركام مشتقّ من الركم وهو الجمع والضمّ، فالركام بمعنى المركوم، أي: متراكم. فإذا أركمت السحب وتكاثفت سُمّيت بـ (السحاب الثقال)، وحينئذ يحصل فيها أمران:

الأول: حملها الماء الكثير ومن هذه السحب يكون المطر الغزير.

الثاني: يتكوّن فيها البرق.

" فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ "

الفاء هنا لعطف مرحلة على مرحلة مع إفادة الترتيب دون التعقيب بدلالة الواقع، لأنا كثيراً ما نرى السحاب دون أن يمطر. والرؤيا هنا بصرية. واختلف العلماء في تفسير كلمة (الودق) الواردة في هذه الآية على قولين:

الأول: الودق: المطر شديده وهيّنه.

الثاني: الودق: البرق.

وسنبيّن المعنى المراد عندما نتعرّض للإعجاز العلمي في الآية إن شاء الله تعالى.

" وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ ":

الواو للاستئناف غير البياني، أو هي عاطفة على (يزجي)، وما بعد الواو مؤذن باختلافها عما قبلها. وصيغة التضعيف في (وينزّل) للتكثير. و (من) الأولى لابتداء الغاية، أي: ابتداء نزول الماء من السحاب. و (من) الثانية للتبعيض، أي: هذا الماء النازل من السحاب من بعض جبال الغيوم فيها. و (من) الثالثة بيانية، أي: جنس هذا النازل من بعض جبال السحاب هو بَرَد، والبَرَد هو قطرات الماء المتجمّدة. وإن ورود حرف الجرّ (من) ثلاث مرّات متجاورات في جملة قصيرة من روائع التعبير القرآني. فالتقدير هنا: ينزل من السماء من جبال في السماء من برد ماءً. وقُدّم الماء لأهميته، ولأنه محطّ الإنعام. وسيأتي مزيد بيان في وصف هذه الظاهرة العجيبة.

" فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاء وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاء ":

من إيجاز الحذف في هاتين الجملتين حذف متعلّق المشيئة بعد الفعلين (يصيب - يصرف)، والتقدير يصيب به من يشاء أن يصيبه به، ويصرفه عمّن يشاء أن يصرفه عنه. وفي الجملتين حسن التقسيم واستقصاء الأقسام، إذ لا ثالث لهذين القسمين المذكورين. وبين الإصابة والصرف طباق إيجاب:

" يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ ":

استعارة بالكناية، حيث شبّه سنا البرق بذي إرادة وقوّة، يستلب الأبصار ويذهب بها، وسرّها المبالغة في وصف السنا بالصفاء. وهذه الجملة وصف لـ (سحاباً). وضمير (برقه) عائد إلى (سحاباً). وحاصل معنى الجملة: يقرب ضوء برق السحاب الموصوف بما مرّ من الإزجاء والتأليف وغيرهما (يذهب بالأبصار)، أي: يخطفها من فرط الإضاءة وسرعة ورودها.

يتبع ..

ـ[أبو سارة]ــــــــ[14 - 09 - 2005, 03:44 م]ـ

بارك الله فيك ومنك وعليك يا أستاذ لؤي

علم غزير وأدب جم، نفع الله بك وبعلمك.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير