تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال ابن رشد: أكثر من يقول بحدوث العالم يقول بحدوث الزمان معه، فلذلك كان قوله إن مدة الترك- أي كان لا يفعل ثم فعل - لا تخلو أن تكون متناهية، أو غير متناهية، قولاً غير صحيح. فإن ما لا ابتداء له لا ينقضي ولا ينتهي أيضاً، فإن الخصم لا يسلم إن للترك مدة. وإنما الذي يلزمهم أن يقال لهم: حدوث الزمان هل كان يمكن فيه أن يكون طرفه الذي هو مبدأه أبعد من الآن الذي نحن فيه أو ليس ممكن ذلك. فإن قالوا: ليس يمكن ذلك، فقد جعلوا مقداراً محدوداً لا يقدر الصانع أكثر منه، وهذا شنيع ومستحيل عندهم. وإن قالوا أنه يمكن أن يكون طرفه أبعد من الآن من الطرف المخلوق، قيل: وهل يمكن في ذلك الطرف الثاني أن يكون طرف أبعد منه. فإن قالوا: نعم، ولا بد لهم من ذلك، قيل: فههنا إن كان حدوث مقادير من الزمان لا نهاية لها، ويلزمكم أن يكون انقضاءها على قولكم في الدورات شرطاً في حدوث المقدار الزمني الموجود منها. وإن قلتم: إن ما لا نهاية له لا ينقضي، فما ألزمتم خصومكم في الدورات ألزمكم في أماكن مقادير الأزمنة الحادثة. فإن قيل إن الفرق بينهما إن تلك الإمكانات غير متناهية هي لمقادير لم تخرج إلى الفعل، وإمكانات الدورات التي لا نهاية لها قد خرجت إلى الفعل، قيل إمكانات الأشياء هي من الأمور اللازمة للأشياء سواء كانت متقدمة على الأشياء أو مع الأشياء على ما يرى ذلك قوم، فهي ضرورة بعدد الأشياء. فإن كان يستحيل قبل وجود الدورة الحاضرة وجود دورات لا نهاية لها، يستحيل وجود إمكانات دورات لا نهاية لها. إلا أن لقائل أن يقول: إن الزمان محدود المقدار، أعني: زمان العالم، فليس يمكن وجود زمان أكبر منه ولا أصغر كما يقول قوم في مقدار العالم. ولذلك أمثال هذه الأقاويل ليست برهانية. ولكن كان الأحفظ لمن يضع العالم محدثاً، أن يضع الزمان محدود المقدار، ولا يضع الإمكان متقدماً على الممكن. وأن يضع العظم كذلك متناهياً، ولكن العظم له كل، والزمان ليس له كل.

تهافت التهافت (62 - 63)

فالشاهد أن فعل الله وهو صفته ملازمة لذاته , مع بيان أنه سبحانه هو الأول الذي ليس قبله شيء.

قال شيخ الإسلام: وذكروا أشياء مما نقمت على أبي الحسن الأشعري وكان مما ذكروه قوله إن الرب لم يكن في الأزل قادرا على الفعل وهذا أصل قول هؤلاء المتكلمين الذين احتجوا على حدوث العالم بأن ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث لامتناع حوادث لا أول لها , ويلزم من ذلك امتناع أن يكون مقدورا للرب فقالوا صار الفعل ممكنا بعد أن لم يكن ممكنا

ومعلوم عند من يعلم الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة وأئمتها أنه ليس في الكتاب ولا السنة شيء يدل على أن الرب لم يكن الفعل ممكنا له في الأزل أو لم يكن الفعل والكلام ممكنا له في الأزل أو أنه لم يزل معطلا عن الفعل أو عن الفعل والكلام لم يزل معطلا ثم إنه صار قادرا فاعلا متكلما بعد أن لم يكن كذلك

وقد يجيبون عن هذا بجواب فيه مغلطة فيقولون لم يزل قادرا ولكن المقدور كان ممتنعا في الأزل وهذا تناقض؛ فإن المقدور لا يكون ممتنعا بل لا يكون إلا ممكنا ولأن ذلك يتضمن الانتقال من الامتناع إلى الإمكان بلا حدوث شيء وهو باطل.

الصفدية (2

163)

وقال الشنقيطي: أما بالنظر إلى وجود حوادث لا أول لها بإيجاد الله، فذلك لا محال فيه ولا يلزمه محذور لأنها موجودة بقدرة وإرادة من لا أول له جل وعلا. وهو في كل لحظة من وجوده يحدث ما يشاء كيف يشاء فالحكم عليه بأن إحداثه للحوادث له مبدأ يوهم أنه كان قبل ذلك المبدأ عاجزاً عن الإيجاد سبحانه وتعالى عن ذلك. وإيضاح المقام أنك لو فرضت تحليل زمن وجود الله في الماضي إلى الأزل إلى أفراد زمانية أقل من لحظات العين أن تفرض أن ابتداء إيجاد الحوادث مقترن بلحظة من تلك اللحظات فإنك إن قلت هو مقترن باللحظة الأولى قلنا ليس هناك أولى البتة، وإن فرضت اقترانه بلحظة أخرى فإن الله موجود قبل تلك اللحظة بجميع صفات الكمال والجلال بما لا يتناهى من اللحظات وهو في كل لحظة يحدث ما شاء كيف شاء فالحكم عليه بأن لفعله مبدأ، لم يكن فعل قبله شيئاً يتوهم أن له مانعاً من الفعل قبل ابتداء الفعل، فالحاصل أن وجوده جل وعلا لا أول له وهو في كل لحظة من وجوده يفعل ما يشاء كيف يشاء فجميع ما سوى الله كله مخلوق حادث بعد

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير