تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد ذكر الحارث في كتاب فهم القرآن عن أهل السنة في هذه المسألة قولين ,ورجح قول ابن كلاب ,وذكر ذلك في قول الله تعالى: {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون} وأمثال ذلك , وأئمة السنة والحديث على إثبات النوعين وهو الذي ذكره عنهم من نقل مذهبهم كحرب الكرماني و عثمان بن سعيد الدارمي وغيرهما بل صرح هؤلاء بلفظ الحركة , وأن ذلك هو مذهب أئمة السنة والحديث من المتقدمين والمتأخرين وذكر حرب الكرماني أنه قول من لقيه من أئمة السنة كأحمد بن حنبل و إسحاق بن راهويه و عبد الله بن الزبير الحميدي و سعيد بن منصور , وقال عثمان بن سعيد وغيره: إن الحركة من لوازم الحياة فكل حي متحرك , وجعلوا نفي هذا من أقوال الجهمية نفاة الصفات الذين اتفق السلف والأئمة على تضليلهم وتبديعهم.

وطائفة أخرى من السلفية كنعيم بن حماد الخزاعي و البخاري صاحب الصحيح و أبي بكر بن خزيمة وغيرهم كأبي عمر بن عبد البر وأمثاله: يثبتون المعنى الذي يثبته هؤلاء , ويسمون ذلك فعلا ونحوه , ومن هؤلاء من يمتنع عن إطلاق لفظ الحركة لكونه غير مأثور.

وأصحاب أحمد منهم من يوافق هؤلاء كأبي بكر عبد العزيز و أبي عبد الله بن بطة وأمثالهما ومنهم من يوافق الأولين كأبي عبد الله بن حامد وأمثاله , ومنهم طائفة ثالثة؛ كالتميميين و ابن الزاغوني غيرهم يوافقون النفاة من أصحاب ابن كلاب وأمثالهم.

ولما كان الإثبات هو المعروف عند أهل السنة والحديث كالبخاري و أبي زرعة و أبي حاتم و محمد بن يحيى الذهلي , وغيرهم من العلماء الذين أدركهم الإمام محمد بن إسحاق بن خزيمة كان المستقر عنده ما تلقاه عن أئمته: من أن الله تعالى لم يزل متكلما إذا شاء , وأنه يتكلم بالكلام الواحد مرة بعد مرة , وكان له أصحاب كأبي علي الثقفي وغيره تلقوا طريقة ابن كلاب فقام بعض المعتزلة , وألقى إلى ابن خزيمة سر قول هؤلاء ,وهو أن الله لا يوصف بأنه يقدر على الكلام إذا شاء , ولا يتعلق ذلك بمشيئته فوقع بين ابن خزيمة وغيره وبينهم في ذلك نزاع حتى أظهروا موافقتهم له فيما لا نزاع فيه ,وأمر ولاة الأمر بتأديبهم لمخالفتهم له وصار الناس حزبين؛ فالجمهور من أهل السنة وأهل الحديث معه ومن وافق طريقة ابن كلاب معه حتى صار بعده علماء نيسابور وغيرهم حزبين فالحاكم أبو عبد الله و أبو عبد الرحمن السلمي و أبو عثمان النيسابوري وغيرهم معه ,وكذلك يحيى بن عمار السجستاني و أبو عبد الله بن منده و أبو نصر السجزي و شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري و أبو القاسم سعد بن علي الزنجاني وغيرهم معه ,وأما أبو ذر الهروي و أبو بكر البيهقي وطائفة أخرى فهم مع ابن كلاب.

"درء التعارض" (1

245)

المسألة الثانية عشرة: صفة الكلام

قال ابن رشد: والأشعرية قد نفوا أن يكون المتكلم فاعلاً للكلام, لأنهم تخيلوا أنهم إذا سلموا هذا الأصل وجب أن يعترفوا أن الله فاعل لكلامه , ولما اعتقدوا أن المتكلم هو الذي يقوم الكلام بذاته, ظنوا أنهم يلزمهم عن هذين الأصلين أن يكون الله فاعلاً للكلام بذاته, فتكون ذاته محلاً للحوادث, فقالوا: المتكلم ليس فاعلاً للكلام, وإنما هي صفة قديمة لذاته, كالعلم وغير ذلك. وهذا يصدق على كلام النفس, ويكذب على الكلام الذي يدل على ما في النفس, وهو اللفظ.

والمعتزلة لما ظنوا أن الكلام هو ما فعله المتكلم, قالوا: إن الكلام هو اللفظ فقط. ولهذا قال هؤلاء: إن القرآن مخلوق. واللفظ عند هؤلاء, من حيث هو فعل, فليس من شرطة أن يقوم بفاعله. والأشعرية تتمسك بأن من شرطة أن يقوم بالمتكلم. وهذا صحيح في الشاهد في الكلاميين معاً, أعني: كلام النفس, واللفظ الدال علية وأما في الخالق, فكلام النفس هو الذي قام به. فأما الدال عليه فلم يقم به سبحانه.

فالأشعرية لما شرطت أن يكونه الكلام بإطلاق قائماً بالمتكلم أنكرت أن يكون المتكلم فاعلاً للكلام, بإطلاق. والمعتزلة لما شرطت أن يكون المتكلم فاعلاً للكلام, بإطلاق, أنكرت كلام النفس. وفي قول كل واحدة من الطائفتين جزء من الحق, وجزء من الباطل على ما لاح لك من قولنا.

الكشف عن مناهج الأدلة (54)

قلت: ولا يلزم من قيام هذه الصفة (الكلام) أو الصفات الاختيارية بالله محذور لا عقلي ولا شرعي , والذي قاد الأشاعرة إلى ذلك أصل فاسد وهو اعتقاد أن من صفات الحدوث الصفات التي يفهم منها التجدد كالكلام وغيره.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير