وأما ما ذهب إليه المرجئة من أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، كما أن التصديق لا يزيد ولا ينقص، فهو قول من أبطل الأقوال وهو قياس على أمر غير مسلم، فالتصديق لا يصح لهم ما زعموه فيه من أنه لا يتفاضل الناس فيه، بل يتفاضلون تفاضلاً ظاهراً في التصديق بقضاياً تمر بالناس يومياً في حياتهم، فضلاً عن تصديق بقضايا المغيبات من أخبار اليوم الآخر والجنة والنار وأسماء الله وصفاته، فمن زعم أن تصديق أقل الناس إيماناً بالله مثل تصديق أكمل الناس إيماناً به بتلك الأمور المغيبة - فلا شك في بطلان قوله بما لا يحتاج إلى سرد الأدلة عليهم.
وأما زيادة الإيمان ونقصانه فيكفي في ثبوته إخبار الله عز وجل بذلك في كتابه الكريم وإخبار نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في سنته الشريفة بما لا يخفى على طلاب العلم معرفته، فإن أدلته واضحة تمام الوضوح، ومعتقد السلف فيه من أوضح الأمور، وهو الاعتقاد الجازم أن الإيمان يزيد وينقص في قلب كل شخص.
وينبغي التنبيه إلى أمر هام، وهو وجود عدة أحاديث كلها موضوعة يذكر فيها أن الإيمان في القلب فقط، وأنه لا يزيد ولا ينقص، ونضيف هنا ما ذكره العلماء من أنه كلما عثرت على حديث من هذا النوع فهو مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم ومن هذا يقول ابن القيم رحمه الله:
"وكل حديث فيه أن الإيمام لا يزيد ولا ينقص فكذب مختلق" ومن تلك الأحاديث:
حديث: "من قال: الإيمان يزيد وينقص فقد خرج من أمر الله، ومن قال: أنا مؤمن إن شاء الله، فليس له في الإسلام نصيب"، قال الشوكاني: رواه محمد بن تميم، وهو واضعه.
وكأن الذين وضعوا أمثال هذه الأحاديث كانوا يجهلون أو يتجاهلون أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقرأ قول الله تعالى: (فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون (، وآيات أخرى كثيرة تثبت زيادة الإيمان، فكيف ينفي الرسول صلى الله عليه وسلم ما أثبته الله في القرآن.
لفصل الثامن
ما مذهب أهل السنة في تعريف الإيمان؟
مذهب أهل السنة المتمسكين بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم السائرين علي وفق ما كان عليه المصطفي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم في أسماء الله وصفاته، وفي مجانبة البدع وأهلها - مذهبهم في الإيمان أنه قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي".
هذا هو منهجهم واعتقادهم في الإيمان. أن العمل داخل في حقيقة الإيمان وأنه لا إيمان بدون عمل، وأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية حسب ما حل بالقلب من ذلك.
وهذا هو الواضح من النصوص الكثيرة في القرآن الكريم وفي السنة النبوية، إلا أنه قد تختلف تعبيرات أهل السنة عن حقيقة الإيمان فيعرفونه بصيغ مختلفة، ولكن القصد واحد، وهو إدخال العمل في حقيقة الإيمان كما يدل عليه كلام الله تعالي وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومنه قوله تعالي في بيان جملة من صفات المتقين أهل الإيمان: (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال علي حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون (.
وقال تعالي مبيناً الخصال التي يكون بها الشخص مؤمناً إذا طبقها على نفسه وعمل بما دلت عليه: (قد أفلح المؤمنون (1) الذين هم في صلاتهم خاشعون (2) والذين هم عن اللغو معرضون (3) والذين هم للزكاة فاعلون (4) والذين هم لفروجهم حافظون (5) إلا علي أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين (6) فمن ابتغي وراء ذلك فأولئك هم العادون (7) والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون (8) والذين هم علي صلواتهم يحافظون (9) أولئك هم الوارثون (10) الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون ((358)، وقال تعالي: (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون ((359).
وهذه الآيات واضحة الدلالة علي مذهب أهل السنة في حقيقة الإيمان المكون من القول والعمل والاعتقاد. وهي حجة على من فرق في الإيمان بين الاعتقاد والعمل، أو غالط في بعض تعريفات السلف للإيمان.
¥