تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأما في حال ذكر الإيمان والعمل معاً فلا مغايرة بينهما في الحكم الذي ذكر لهم، بل يكون ذلك من جنس عطف الخاص على العام مثل قوله تعالى: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى (. فإن الصلاة الوسطى من ضمن بقية الصلوات وإنما أفردت بالذكر الخاص بعد الذكر العام لمزيد العناية والاهتمام بها، وأحياناً إذا ذكر العمل الصالح والإيمان معاً يكون المقصود بذلك إظهار وتوكيد حقيقة الإيمان بالعمل الصالح، إذ لا يكون العمل صالحاً مقبولاً إلا بعد إيمان صاحبه، فذكر الإيمان والعمل معاً من باب التوكيد أو عطف الخاص على العام. والحاصل أن الإيمان المطلق يستلزم الأعمال كما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية.

وأما ما استدل به الأحناف من أن الإيمان في اللغة المقصود به التصديق، والعمل لا يسمى تصديقاً فيقال لهم: إنه لم يسم التصديق بالقلب دون التصديق باللسان والعمل إيماناً في اللغة، ولم يعرف عن العرب أنهم يحكمون للشخص بالتصديق والإيمان بشيء صدقه بقلبه ثم أعلن التكذيب به بلسانه، كذلك لم يعرف في اللغة أن التصديق باللسان فقط دون التصديق بالقلب يعتبر إيماناً.

إذاً فلا يسمى مؤمناً بالشيء إلا إذا توافق التصديق بالقلب واللسان معاً ونتج عنهما حصول أثر ذلك وهو العمل.

ويرد على من ذهب مذهب الإمام أبى حنيفة في إخراج العمل عن الإيمان، واستدل باللغة على أن الإيمان هو التصديق - يرد عليهم بما ذهبوا إليه هم أيضاً من عدم جواز إطلاق الإيمان على الشخص إلا إذا صدق بالله عز وجل وبرسوله، وبكل ما جاء به القرآن والبعث والجنة والنار والصلاة والزكاة، وغير ذلك.

ومعلوم أن هذا الإيمان قد اشتمل على أعمال، فكيف يحق لهم بعد ذلك عدم اعتبار الأعمال من الإيمان، وهم يشترطون لثبوت إيمان الشخص ما ذكر.

ويقال لهم أيضاً: لو كان ما تقولون صحيحاً من أن الإيمان هو التصديق فقط - لوجب أن يطلق اسم الإيمان على كل من صدق بشيء ثم كذب بلوازمه، فقد أخبر الله بأن قوماً يؤمنون ببعض الرسل ويكفرون ببعض الرسل ومع ذلك سماهم الله كفاراً مع تصديقهم بالله. قال تعالى: (إن الذين يكفرون بالله ورسوله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسوله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلاً * أولئك هم الكافرون حقاً واعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً.

فهؤلاء مصدقون بالله وبرسوله، لولا أنهم يريدون أن يأخذوا من كل ديانة ما يوافق هواهم.

نعم إن أصل الإيمان في اللغة هو التصديق بالقلب واللسان معاً بأي شيء كان إلا أن الله عز وجل وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أوقع لفظة الإيمان على العقد بالقلب لأشياء محدودة مخصوصة معروفة لا على العقد لكل شيء.

ومعلوم أن التصديق بالشيء حقيقة لا يقع إلا إذا وجد التصديق الكامل بذلك الشيء وازداد فيه رغبة وعملا. فالمصدق بالله تعالى و بأنبيائه و بما جاء عن الله تعالي هو الذي صدق بذلك ظاهرا وباطنا فصح وصفه بالتصديق.

والآية فيها الأخبار بزيادة الإيمان لا بالتصديق فإنه قد حصل في قلوب المؤمنين، والزيادة هنا هي ما يحصل من الزيادة بالأعمال والتقرب بها إلى الله تعالى.

فإن أساس التصديق لا يتبعض في الشيئ الواحد و إن كان الناس يتفاضلون فيه؛ لأنه لو تبعض لكان صاحبه شاكاً.

فلو أن شخصاً صدق بالقرآن كله إلا آية واحدة لما كان مؤمناً بالقرآن ولكان تصديقه مشابهاً لتصديق بعض أهل الكتاب بالنبي صلى الله عليه وسلم في كتبهم وكفرهم بذلك، كالموشكانية والعيسوية من يهود أصفهان الذين صدقوا بأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو نبي الله حقاً ولكنه إلى العرب خاصة لا إليهم، ولكان أيضاً مشابهاً لتصديق إبليس بربه، وهو مع ذلك كافراً بلا خلاف مخلد في النار لم ينفعه تصديقه ومعرفته بربه دون الإذعان الكامل لما أمر الله واجتناب ما نهي عنه قولاً وعملاً واعتقاداً.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير