فحذرهم النبي صلى الله عليه و سلم أن يتلقوا أمر الله بمثل ما تلقاه به أهل الكتابين و أمرهم بالسمع و الطاعة فشكر الله لهم ذلك ,حتى رفع الله عنهم الاصار و الأغلال التي كانت على من قبلنا و لما دعا المؤمنون بذلك اخبرهم الرسول صلى الله عليه و سلم انه قد استجاب دعاءهم
و قد جاءت الشريعة بالنهي عن التشبه بالكفار في الجملة و الأمر بمخالفتهم في هديهم إما إيجابا أو استحبابا بحسب المواضع فعن أبي منيب الجرشي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:" من تشبه بقوم فهو منهم"إسناده جيد و حسنه الألباني
و هذا الحديث أقل أحواله:أن يقتضي تحريم التشبه بهم و إن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم.كما في قوله "و من يتولهم منكم فانه منهم "فقد يحمل هذا على التشبه المطلق فانه يوجب الكفر و يقتضي تحريم أبعاض التشبه و قد يحمل على انه صار منهم في القدر المشترك الذي شابههم فيه ,فان كان كفرا أو معصية أو شعارا للكفر أو للمعصية:كان حكمه كذلك.
و روى الترمذي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال:"ليس منا من تشبه بغيرنا.لا تشبهوا باليهود و لا النصارى ,فان تسليم اليهود: إشارة بالأصابع و تسليم النصارى:الإشارة بالأكف "و قال الألباني في صحيح الترمذي حسن صحيح
ففيه نهي مطلق عن مشابهتهم و هو خاص أيضا في النهي عن مشابهتهم في التسليم فاصل ذهاب دين الله و شرائعه و ظهور الكفر و المعاصي التشبه بالكافرين ,كما أن أصل كل خير المحافظة على سنن الأنبياء و شرائعهم
و روى الإمام أحمد في المسند:حدثنا اسود بن عامر حدثنا حماد بن سلمة عن أبي سنان عن عبيد بن أدم و أبي مريم و أبي شعيب:أن عمر كان بالجابية ذكر فتح بيت المقدس ـقال حماد بن سلمة:فحدثني أبو سنان عن عبيد بن أدم قال سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لكعب:"أين ترى أن أصلي؟ فقال:إن أخذت عني صليت خلف الصخرة فكانت القدس كلها بين يديك فقال عمر:ضاهيت اليهودية لا و لكن أصلي حيث صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فتقدم إلى القبلة فصلى ثم جاء فبسط رداءه فكنس الكناسة في ردائه و كنس الناس"
فعمر رضي الله عنه عاب على كعب الأحبار مضاهاة اليهودية أي مشابهتهم في مجرد استقبال الصخرة لما فيه من مشابهة من يعتقدها قبلة باقية و إن كان المسلم لا يقصد أن يصلي إليها
و إذا تقرر هذا الأصل في مشابهة الكفار فنقول العيد اسم جنس يدخل فيه كل يوم أو كل مكان لهم فيه اجتماع ,و كل عمل يحدثونه في هذه الأمكنة و الأزمنة فليس النهي عن خصوص أعيادهم بل كل ما يعظمونه من الأوقات و الأمكنة التي لا أصل لها في دين الإسلام ,و ما يحدثونه فيها من الأعمال يدخل في ذلك.
فموافقتهم في أعيادهم لا تجوز من طريقين:
الطريق الأول و العام:هو ما تقدم من أن هذا موافقة لأهل الكتاب فيما ليس من ديننا و لا عادة سلفنا فيكون مفسدة موافقتهم و في تركه مصلحة مخالفتهم فان أقل أحوال التشبه بهم أن يكون مكروها و يدل كثير منها على تحريم التشبه بهم في العيد مثل قوله صلى الله عليه و سلم:"من تشبه بقوم فهو منهم "و كذلك قوله:"خالفوا المشركين"و نحو ذلك مثل ما ذكرناه من دلالة الكتاب و السنة على تحريم سبيل المغضوب عليهم و الضالين و أعيادهم من سبيلهم إلى غير ذلك من الدلائل.
و أما الدليل الخاص في نفس أعياد الكفار فقوله تعالى:"و الذين لا يشهدون الزور و إذا مروا باللغو مروا كراما"ذكر عن مجاهد قال: هو أعياد المشركين"
و عن عطاء بن يسار قال: قال عمر:"إياكم و رطانة الأعاجم و أن تدخلوا على المشركين يوم عيدهم في كنائسهم"
فأعياد المشركين جمعت بين الشبهة و الشهوة و هي باطلة و لا منفعة فيها في الدين و ما فيها من اللذة العاجلة فعاقبتها إلى الم فصارت زورا
"حضورها بمعنى شهودها"
و إذا كان الله قد مدح ترك شهودها الذي هو مجرد الحضور برؤية أو سماع فكيف بالموافقة بما يزيد على ذلك من العمل الذي هو عمل الزور لا مجرد شهوده؟
ثم مجرد هذه الآية فيها الحمد لهؤلاء و الثناء عليهم ,ذلك وحده يفيد الترغيب في ترك أعيادهم و غيرها من الزور و يقتضي الندب إلى ترك حضورها و قد يفيد كراهة لتسمية الله لها زورا
¥