ثم يقال لهم: امضوا على قدر نوركم، فمنهم من يمر كانقضاض الكواكب، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كالطرف، ومنهم من يمر كشد الرجل يرمل رملاً0 وقد نصبه الله لحكمة فلو شاء لاجتاز الخلق بغير نصبه، وقد تلمس بعض العلماء حكماً كثيرة لذلك إلا أنه ينبغي الإيمان التام بأن لله حكمة قد تظهر وقد لا تظهر حقيقتها لأحد، ولسنا مكلفين باستخراج الحكمة وقد كلفنا بالإيمان بكل ما صح ثبوته.
4_ إنكار الجهميه للميزان:
الميزان من أمور الآخرة الغيبية التي يجب الإيمان بها وقد أنكرته الجهمية، والمراد به في الاصطلاح الشرعي: الميزان الذي أخبر الله تعالى عنه في الأحاديث الشريفة في أكثر من مناسبة تنويهاً بعظم شأنه وخطورة أمره.
وهو ميزان حقيقي له لسان وكفتان توزن به أعمال العباد خيرها وشرها، وقد أخبر الله عنه في القرآن الكريم إخباراً مجملاً من غير تفصيل لحقيقته، وجاءت السنة النبوية فبينته. يظهره الله في يوم القيامة لإظهار مقادير أعمال الخلق، وقد أجمع المسلمون على القول به واعتقاده.
وجاء ذكره في القرآن الكريم في أكثر من آية تنويهاً بعظمه وأهميته، قال تعالى: (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبةٍ من خردلٍ أتينا بها وكفى بنا حاسبين)، وآيات أخرى كثيرة لا تخفى على طلاب العلم، ودلالتها على إثبات الميزان أمر ظاهر، وقد وصف الله فيها الموازين عدل وأن من ثقل ميزانه، فقد أفلح وعاش عيشة راضية، ومن خف ميزانه فقد خسر وهوى إلي جهنم.
كما وردت في السنة النبوية أحاديث كثيرة فيها بيان ثبوت الميزان وصفاته وما الذي يوزن فيه، هل هو العامل فقط أو العمل فقط أو العامل والعمل، أو صحف الأعمال، وما الذي يثقله وما الذي يخففه ومن تلك الأحاديث وهي كثيرة:
قوله صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كلمتان حبيبتان إلى الرحمن خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم) ".
وأنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة، اقرءوا: (فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا).
وقد ذهبت الجهمية وغيرهم من أهل البدع إلى إنكاره بلا دليل، لأنه في زعمهم - يستحيل وزن الأعراض، كما أنكروا أن يكون هناك ميزان حقيقي له كفتان ولسان، معرضين عن النصوص الثابتة بذلك كما قدمنا بعضها.
وإذا أراد القارئ المزيد من أخبار الميزان والإطلاع على المناقشات الموسعة فيه فليقرأ - إن أحب - "الحياة الآخرة ما بين البعث إلى دخول الجنة أو النار ". فسوف يجد فيه إن شاء الله كل ما يطلبه من تفصيل لأخبار الميزان ومواقف علماء السنة وعلماء البدع منه، وما الذي يوزن؟ وهل توزن أعمال الجن؟ وهل هو ميزان واحد أو موازين متعددة؟ إلى غير ذلك من الأمور التي تتعلق بهذا الأمر.
5 - قول الجهمية بفناء الجنة والنار:
قال ابن أبي العز رحمه الله: " وقال بفناء الجنة والنار الجهم بن صفوان إمام المعطلة، وليس له سلف قط لا من الصحابة ولا من التابعين لهم بإحسان، ولا من أئمة المسلمين ولا من أهل السنة، وأنكره عليه عامة أهل السنة وكفروه به وصاحوا به وباتباعه من أقطار الأرض، وهذا قاله لأصلة الفاسد الذي اعتقده وهو امتناع وجود مالا يتناهى من الحوادث، وهو عمدة أهل الكلام المذموم التي استدلوا بها على حدوث الأجسام وحدوث ما لم يخل من الحوادث، وجعلوا ذلك عمدتهم في حدوث العالم، فرأى جهم أن ما يمنع من حوادث لا أول لها في الماضي يمنعه في المستقبل، فداوم الفعل عنده على الرب في المستقبل ممتنع كما هو ممتنع عنده عليه في الماضي ".
لقد زعم الجهم وأتباعه أن الجنة والنار ستفنى بحجة أن ما لا نهاية له من الأمور الحادثة المتجددة بعد أن لم تكن يستحيل - حسب زعمه - أنها تبقى إلى ما لا نهاية، ولم يتصور أن بعض الأشياء التي شاء الله البقاء أنه يمتنع فناؤها.
ولا يوجد له من الأدلة إلا ما قاله أهل الكلام حينما أرادوا الاستدلال حسب عقولهم على حدوث الأجسام حين قالوا: كل جسم حادث لا بقاء له، فالأجسام حادثة وكل ما قبل الحدوث فهو حادث، والعالم قبل الحدوث فهو حادث.
¥