جعل المصنف ذلك الشرط (محبته أشد من محبة النفس .... إلخ) قريناً لشرط (الاعتراف برسالته واعتقادها ... ) ونحوه وليس الأمر كذلك فشرط الاعتراف برسالته ونحوه لا ينعقد الإيمان إلا به بخلاف شرط (محبته أكثر من النفس والولد والوالد) وعمر (رضي الله عنه) عند قوله (لأنت يا رسول الله أحب إلى من كل شيء الا من نفسي) كان مؤمناً بالاتفاق، لا يقال: كان واقعًا في الكفر معذورًا بالجهل.
وإنما ذلك الشرط الذي وضعه المصنف هو شرط لتحقيق الإيمان الواجب لا أصل الإيمان.
قال الخطابي ([3]): " حب الإنسان نفسه طبع وحب غيره اختيار بتوسط الأسباب وانما أراد عليه الصلاة و السلام حب الاختيار إذ لا سبيل إلى قلب الطباع وتغييرها عما جبلت عليه قلت فعلى هذا فجواب عمر أولاً كان بحسب الطبع ثم تأمل فعرف بالاستدلال أن النبي صلى الله عليه و سلم أحب إليه من نفسه لكونه السبب في نجاتها من المهلكات في الدنيا والأخرى فأخبر بما اقتضاه الاختيار ولذلك حصل الجواب بقوله الآن يا عمر أي الآن عرفت فنطقت بما يجب وأما تقرير بعض الشراح الآن صار إيمانك معتداً به إذ المرء لا يعتد بإيمانه حتى يقتضي عقله ترجيح جانب الرسول ففيه سوء أدب في العبارة وما أكثر ما يقع مثل هذا في كلام الكبار عند عدم التأمل والتحرز لاستغراق الفكر في المعنى الأصلي فلا ينبغي التشديد في الإنكار على من وقع ذلك منه بل يكتفي بالإشارة إلى الرد والتحذير من الاغترار به لئلا يقع المنكر في نحو مما أنكره الحديث الثامن والتاسع " انتهى
وقال الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ ([4]) " قوله لا يؤمن أحدكم أي لا يحصل له الايمان الذي تبرأ به ذمته ويستحق به دخول الجنة بلا عذاب حتى يكون الرسول أحب"انتهى
وقال ([5]):" وفيه أن الأعمال من الإيمان لأن المحبة عمل وقد نفي الإيمان عمن لم يكن الرسول صلى الله عليه و سلم أحب إليه مما ذكر فدل على ذلك. وفيه أن نفي الإيمان لا يدل على الخروج من الإسلام"انتهى
وقال الشيخ العثيمين في القول المفيد:" قوله في حديث أنس: " لا يؤمن ". هذا نفي للإيمان، ونفي الإيمان تارة يراد به نفي الكمال الواجب، وتارة يراد به نفي الوجود، أي: نفي الأصل.
والمنفي في هذا الحديث هو كمال الإيمان الواجب، إلا إذا خلا القلب من محبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - إطلاقاً، فلا شك أن هذا نفي لأصل الإيمان"انتهى
ورحم الله الإمام ابن القيم القائل في حق النبي صلى الله عليه وسلم:
ورسولُهُ فهو المطاعُ وقولُه المـ ... ـقبولُ إذ هو صاحبُ البرهانِ
والأمرُ منه الحتمُ لا تخييرَ فيـ ... ـهِ عند ذي عقلٍ وذي إيمانِ
من قال قولًا غيرَهُ قمنا على ... أقوالِهِ بالسَّبْرِ والميزانِ
إن وافقت قولَ الرسولِ وحكمَهُ ... فعلى الرؤوسِ تُشَالُ كالتيجانِ
أو خالفت هذا رددناها على ... من قالها من كان من إنسانِ
أو أشكلت عنا توقفنا ولم ... نجزمْ بلا علمٍ ولا برهانِ
هذا الذي أدى اليه علمُنا ... وبه ندينُ الله كلَّ أوانِ
فهو المطاعُ وأمرُهُ العالي على ... أمرِ الورى وأوامرِ السُّلطانِ
وهو المقدمُ في محبتِنا على الـ ... أهلينَ والأزواجِ والولدانِ
وعلى العبادِ جميعِهم حتى على النـ ... فسِ التي قد ضمَّها الجنبانِ
التَّعَقُّبُ الثَّالِثُ
ص: 45 قوله (نواقض الإسلام عشرة) اهـ
وقوله (الناقض الثاني: الردة عن الإسلام مختارًا .... ) انتهى.
قلت: الأولى أن يقول (نواقض الإسلام العشرة) أو (من نواقض الإسلام) ثم يسوق العشرة المشهورة؛ قال الشيخ العلامة ابن باز: " ومن أخطرها وأكثرها وقوعاً عشرة نواقض ذكرها الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب وغيره من أهل العلم رحمهم الله جميعاً " اهـ
وقال الإمام المجدد ([6]):" اعلم أن من أعظم نواقض الإسلام عشرة " اهـ
والأولى في الناقض الثاني أن يقول: (الردة عن الإسلام غير مكره) اهـ بدلاً من كلمة (مختاراً) لأنها أدق وأحرز قال الإمام المجدد:" ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائف إلا المكره " اهـ
ولأن قوله (مختارًا) يوهم قليل الفطنة أنه يشترط في وقوع الكفر على فاعله اختيار الكفر، وهذا غير صحيح فالمرء الفاعل للكفر يقع عليه الكفر ما دام مختارًا للفعل.
التَّعَقُّبُ الرَّابِعُ
¥