وقال الصنعاني في شرح حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً: (من خرج عن الطاعة وفارق الجماعة ومات، فميتته ميتة جاهلية):" قوله: ((عن الطاعة))، أي: طاعة الخليفة الذي وقع الاجتماع عليه،وكأن المراد خليفة أي قطر من الأقطار، إذ لم يجمع الناس على خليفة في جميع البلاد الإسلامية من أثناء الدولة العباسية بل استقل أهل كل إقليم بقائم بأمورهم، إذ لو حمل الحديث على خليفة أجتمع عليه أهل الإسلام، لقلت فائدته.
وقوله: ((وفارق الجماعة))، أي: خرج عن الجماعة الذين اتفقوا على طاعة إمام انتظم به شملهم واجتمعت به كلمتهم وحاطهم عن عدوهم"انتهى (سبل السلام3/ 499).
وقال الشوكاني في شرح صاحب ((الأزهار)): ((ولا يصح إمامان)):
(وأما بعد انتشار الإسلام واتساع رقعته وتباعد أطرافه، فمعلوم أنه قد صار في كل قطر - أو أقطار - الولاية إلي إمام أو سلطان، وفي القطر الآخر كذلك، ولا ينعقد لبعضهم أمر ولا نهي في قطر الآخر وأقطاره التي رجعت إلى ولايته.
فلا بأس بتعدد الأئمة والسلاطين ويجب الطاعة لكل واحد منهم بعد البيعة له على أهل القطر الذي ينفذ فيه أوامره ونواهيه، وكذلك صاحب القطر الآخر.
فإذا قام من ينازعه في القطر الذي ثبت فيه ولايته، وبايعه أهله، كان الحكم فيه أن يقتل إذا لم يتب.
ولا تجب على أهل القطر الآخر طاعته، ولا الدخول تحت ولايته، لتباعد الأقطار، فأنه قد لا يبلغ إلي ما تباعد منها خبر إمامها أو سلطانها، ولا يدري من قام منهم أو مات، فالتكليف بالطاعة والحال هذا تكيف بما لا يطاق.
وهذا معلوم لكل من له إطلاع على أحوال العباد والبلاد ....
فاعرف هذا، فإنه المناسب للقواعد الشرعية، والمطابق لما تدل عليه الأدلة، ودع عنك ما يقال في مخالفته، فإن الفرق بين ما كانت عليه الولاية الإسلامية في أول الإسلام وما هي عليه الآن أوضح من شمس النهار.
ومن أنكر هذا، فهو مباهت ولا يستحق أن يخاطب بالحجة لأنه لا يعقلها"انتهى (السيل الجرار 4/ 512).
[9] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=58#_ftnref9) - قال بكر أبو زيد في معجم مناهيه:" خليفة الله: جماع خلاف أهل العلم في هذا على ثلاثة أقوال:
الأول: الجواز، فيجوز أن يقال: فلان خليفة الله في أرضه. واحتجوا بحديث الكُمَيْل عن علي: ((أُولئك خلفاء الله في أرضه))، وبقوله تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} ونحوها في القرآن.
وبقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله ممكن لكم في الأرض ومستخلفكم فيها فناظر كيف تعلمون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء)).
وبحديث المهدي وفيه: ((خليفة الله المهدي)) لكنه ضعيف كما في رقم / 85 من ((السلسلة الضعيفة)).
واحتجوا بقول الراعي يخاطب أبا بكر - رضي الله عنه -:
خليفة الرحمن إنا معشر حنفاء نسجد بكرة وأصيلاً
عرب نرى لله في أموالنا حق الزكاة منزلاً تنزيلاً
الثاني: منع هذا الإطلاق؛ لأن الخليفة إنما يكون عمن يغيب ويخلفه غيره، والله تعالى شاهد غير غائب، فمحال أن يخلفه غيره بل هو سبحانه وتعالى الذي يخلف عبده المؤمن فيكون خليفته.
واحتجوا بقول أبي بكر - رضي الله عنه - لما قيل له: يا خليفة الله، قال: لست بخليفة الله، ولكني خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وحسبي ذلك.
والثالث: وهو ما قرره ابن القيم بعد ذلك فقال:
قلت: إن أُريد بالإضافة إلى الله: أنه خليفة عنه، فالصواب قول الطائفة المانعة فيها. وإن أُريد بالإضافة: أن الله استخلفه عن غيره ممن كان قبله فهذا لا يمتنع فيه الإضافة. وحقيقتها: خليفة الله الذي جعله الله خلفاً عن غيره، وبهذا يخرج الجواب عن قول أمير المؤمنين: أُولئك خلفاء الله في أرضه .. إلخ. والله أعلم.