وقال تعالى: "هل تعلم له سميا" [مريم: 65]، أي مماثلاً، وقال تعالى: "ولم يكن له كفوا أحد" [الإخلاص: 4]، وقال تعالى: "فلا تجعلوا لله أنداداً" [البقرة: 22]، أي نظراء مماثلين، وقال تعالى: "فلا تضربوا لله الأمثال" [النحل: 74]، فإن قيل: إن هناك أحاديث قد تشتبه علينا، ونريد الجواب الشافي عنها:
أولاً: قوله صلى الله عليه وسلم: "إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته" أخرجه البخاري (7434)، ومسلم (633)، فالجواب عن ذلك من وجهين:
الأول: أنه لا يمكن أن يقع تعارض بين كلام الله –تعالى- وكلام رسوله –صلى الله عليه وسلم- الذي صح عنه أبداً؛ لأن الكل حق من عند الله- تعالى- لكن قد يقع التعارض في فهم البعض، لقلة العلم، أو لقصور الفهم، أو للتقصير في البحث والتعلم والتدبر، أو لسوء القصد والنية، وبناء على ذلك فيجب عليك عند الاشتباه أن ترد المشتبه إلى المحكم؛ حتى يبقى النص كله محكماً، وهذه طريق الراسخين في العلم، قال تعالى: "هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات ... " [آل عمران: 7]، وبهذا تسلم أمام الله.
الثاني: أن الحديث ليس فيه تشبيه للمرئي بالمرئي، وإنما فيه تشبيه للرؤية بالرؤية، أي ترون ربكم كرؤيتكم القمر ليلة البدر، ولهذا أعقبه بقوله: "لا تضامون في رؤيته" أو: "لا تضارون في رؤيته" أخرجه البخاري (7440).
ثانياً: قوله صلى الله عليه وسلم: " خلق الله آدم على صورته" أخرجه البخاري (6227)، ومسلم (2841)، والجواب عنه من ثلاثة وجوه:
الأول: - بما سبق-: أنه لا يمكن أن يتعارض هذا الحديث مع قوله تعالى: "ليس كمثله شيء"، فإن استطعت الجمع فافعل، وإلا فقل: إن الله خلق آدم على صورته، وأنه سبحانه ليس كمثله شيء، فأثبت الصورة بدون مماثلة.
الثاني: أنه لا يلزم من كون الشيء على صورة الشيء أن يكون مماثلاً له من كل وجه، فقد قال صلى الله عليه وسلم-: " أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر" أخرجه البخاري (3246)، ومسلم (2834)، فهؤلاء البشر ليسوا على صورة القمر من كل وجه، بل على صورتهم، لكن في الوضاءة والحسن والجمال، وما أشبه ذلك على صورة القمر، لا من كل وجه.
الثالث: أن الإضافة في قوله: "على صورته" من باب إضافة المخلوق إلى خالقه، فيعني خلقه على الصورة التي اختارها، واعتنى بها خلقاً، وتصويراً، فإضافة الله الصورة إليه من باب التشريف والتكريم.
ولا يعني ذلك نفي الصورة، فإنها ثابتة لله –تعالى- بأدلة كثيرة، وسيأتي بيان معناها، أي معنى الصورة التي تكون لله –تعالى- وتليق بجلاله وعظمته.
وهذا الوجه – أعني الوجه الثالث- صحيح، وله نظير، لكن الوجه الثاني أسلم منه؛ لأن لظاهر اللفظ مساغاً في اللغة، وإمكاناً في العقل، فالواجب حمل الكلام عليه، مع اعتقادنا الجازم أن الصورة لا يلزم منها مماثلة الصورة الأخرى، وحينئذ يكون الأسلم أن نحمله على ظاهره. فإن قيل: ما هي الصورة التي لله –تعالى- ويكون آدم عليها؟
فالجواب: أن الله –تعالى- له وجه يليق بجلاله وعظمته، وله عينان تليقان بجلاله وعظمته، وله يدان تليقان بجلاله وعظمته، لكن لا يلزم من أن تكون هذه الصفات مماثلة لصفات الآدمي، كما أن الزمرة الأولى من أهل الجنة تكون على صورة القمر، لكن بدون مماثلة، وهذا بالنسبة بين المخلوق والمخلوق، فكيف بالأمر إذا كان بين الخالق – سبحانه- وبين المخلوق الذي هو ليس بشيء بالنسبة إلى الخالق- سبحانه- "ليس كمثله شيء".
ثالثاً: قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خُضْعاناً لقوله: "كأنه سلسلة على صفوان ينفذهم ذلك ... " أخرجه البخاري (7481)، وفي لفظ: "كالسلسلة على صفوان ينفذهم ذلك" أخرجه البخاري (4701)، وفي لفظ "إذا تكلم الله تعالى بالوحي سمع أهل السماء للسماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا .. " أخرجه أبو داود (4738).
ومعنى قوله: "كأنه" أي صوت القول في وقعه على قلوبهم، حين سماعه. وقوله: "صفوان" هو الحجر الأملس الصلب، والسلسلة عليه يكون لها صوت عظيم. والجواب عن ذلك بثلاثة وجوه:
¥