قوله رحمه الله: [ويَسْتَمْتِعُ مِنْها بِما دُونَه]: قوله رحمه الله: [ويستمتع] من المتعة، وهي اللّذة.
قوله رحمه الله: [بما دُونَه]: أي بما دون الموضع الذي حرّم الله الجماع فيه، وظاهر كلام المصنف كما قلنا العموم أي: سواء وُجد حائلٌ، أو لم يُوجد؛ ودليله حديث عائشة رضي الله عنها أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: [إِصْنعُوا كلَّ شيءٍ إلا النكاحَ] فقوله: [كلَّ شيءٍ] عامّ، لأن [كلَّ] كما يقول الأصوليون: من ألفاظ العموم، فله أن يستمتع بكل شيء، ما لم يصل إلى الحرام، وهو الوطء في الفرجين، وعمَّمَ حيث لم يذكر الحائل، والإزار، وظاهر فعله عليه الصلاة والسلام: أن تتزر المرأة.
قوله رحمه الله: [وإِذَا انقطعَ الدّمُ، ولم تغتسلْ لم يُبَح غَيرُ الصِّيامِ، والطَّلاقِ]: للحيض طُهران:
الأول: طُهرٌ للموضع بانقطاع الدم، وبدوّ علامة الطُّهر، والثاني: طهر للمرأة باغتسالها بعد ذلك، فالأول ليس بيدها، والثاني بيدها.
فإذا طَهُرتْ المرأة بانقطاع دمها، ووجود علامة الطهر، وتَطهّرت بالاغتسال بعد ذلك فإنه بالإجماع ترتفع جميع موانع الحيض، ولا إشكال، لكن الإشكال لو طهرت من حيضها، ولم تُطَهِّر نفسها بالغسل، فهل يجوز له أن يجامعها، أو لا يجوز؟ وهل يجوز لها الصيام، وغيره من الموانع؟
قال رحمه الله: [لم يُبَحْ]: أي أن موانع الحيض، ومنها: الجماع لا تُباح إلا بعد غُسلها، وقوله: [غَير الصّيامِ، والطّلاقِ] أي أنه يباح لها فعل الصّيام، والطّلاق فقط، وهذا مذهب جمهور العلماء رحمهم الله.
وقال الإمام أبو حنيفة النعمان-رحمة الله عليه-: إذا إنقطع دم الحيض جاز للرجل أن يجامع امرأته، ولو لم تغتسل.
فالإمام أبو حنيفة يقول: إن الغاية في التحريم في قوله سبحانه: {لا تَقْربوهُنّ حَتى يَطْهُرنَ} هي الطُّهر، فإذا طهرت المرأة بانقطاع الدم عنها إِنتهى منع الجماع؛ فإذاً الجماع مؤقت بوجود الحيض، " وما شُرِعَ لعلّةٍ يبطل بزوالها " كما هي القاعدة في الأصول، فلما زال دم الحيض زال المانع؛ فجاز له أن يجامع.
لكن الجمهور قالوا: إن في الآية غاية، وشرطاً، فالغاية في قوله: {حَتَّى يَطْهُرْنَ}، والشرط في قوله: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ}.
قال الإمام أبو حنيفة: العبرة بالغاية؛ لأن القاعدة في الأصول: " أنَّ ما بعدَ الغايةِ يُخالف ما قَبلَها في الحُكْمِ "؛ لأنه لو كان الذي بعد الغاية كالذي قبلها لم تكن هناك فائدة من ذكر الغاية، وهذا صحيح إذا كانت الغاية ليس معها شرط، أما إذا اقترنت بالشرط فلا بد من تحققه معها لإفادة الحكم وعليه؛ فإنه يترجح مذهب الجمهور رحمهم الله من إعتبارهما معاً، وقد جاءت في الشريعة نظائر لمسألتنا منها: قوله سبحانه وتعالى في بيان رفع الحجر عن اليتامى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} (1) فقال: {حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} فهذه غاية، وهي: البلوغ، ثم قال سبحانه: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} وهذا شرط، فلا مانع أن تثبت الغاية مع ثبوت الشرط، فنقول: إن آية الحيض فيها غاية، وشرط، والقاعدة: " أَنّه إِذا تخلّف الشرطُ تخلّف المشروطُ، وإذا وجدَ الشَّرطُ حُكم بالمَشْروطِ ".فإذًا تقول: إذا وجد الاغتسال؛ جاز له أن يجامع، وإلا فلا.
الدليل الثاني على رجحان مذهب الجمهور: أن الله عز وجل قال: {حَتَّى يَطْهُرْنَ} ثم عقب بقوله: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} فأسند الطُّهر لأنفسهن بقوله: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} أي: فعلن الطُّهر، وعلى هذه القراءة يكون الطُّهر الثاني هو: الغسل فالغاية الطُّهر الأول، والشرط: الطُّهر الثاني لأن الله نسبه إلى النساء فدلّ على أنه من فعلهن، فصار طُهراً زائداً على الطُّهر الأوّل لا نفسه، وهناك قراءة بالتشديد: {حَتى يَطَّهَرْنَ} بالتشديد، وهي تصلح أن تكون دليلاً لمذهب الجمهور كما أشار إليه غير واحد من أهل العلم، واختاره الإمام الماوردي في جوابه في الحاوي، فالمقصود أن أصحَّ القولين هنا: أنه
¥