قوله رحمه الله: [وما نَقصَ عَنِ العادَةِ طُهْرٌ، وما عَادَ فِيها جَلسَتْه]: مراده رحمه الله: أنه إذا كان الإختلاف في العادة بالنقص فإنها تحكم بكونها طاهراً بمجرد إنقطاع الدم عنها، ولو عاد قبل إنتهاء أقلّ الطّهر حسبته حيضاً حتى يبلغ عادتها فلو كانت عادتها، مثلاً سبعة أيام، وانقطع الدم بعد خمسة أيام فإننا نحكم بكونها طاهراً بعد إنقطاعه ناقصاً، وهو معنى قوله هنا: [طُهْر] ثم لو عاودها بعد ثلاثة أيام فجرى معها يوماً، ثم إنقطع فإننا نحكم بكون هذا اليوم حيضاً، وهو معنى قوله: [وما عَادَ فِيها جَلستُه] فنضيفه إلى الخمسة السابقة، فلو عاودها يوماً آخر فإنها تضيفه إلى ما سبق فتكون حينئذ قد أتمت سِتّة أيام، وبقي لها يوم من عادتها، فإن عاودها قبل أقل الطهر أضفناه للستة فتمّت به عادتها، وإن لم يعاودها نظرنا في الشهر الثاني، والثالث، فإن عاودها بنفس العدد، وهو السِّتَةُ حكمنا بنقصان عادتها، وانتقالها من سبعة أيام إلى سِتّةِ أيام.
قوله رحمه الله: [والصُّفرةُ، والكُدْرةُ في زمنِ العادةِ حيضٌ]: قوله: [والصفرة والكدرة]: الصفرةُ: مأخوذة من الصفار، وهو اللّون الأصفر، قال بعض العلماء-رحمة الله عليهم-: الصفرة التي تكون من المرأة: كلون القيح تخرج من الموضع، وقد إختلف العلماء رحمهم الله في حكمها، وذلك على ثلاثة أقوال:
القول الأول: التّفصيل، وهو مذهب الجمهور: إن كانت الصفرة، والكدرة في زمان الحيض فهي حيض، وإن كانت بعد إنقضاء الحيض فليست بحيض.
والقول الثاني: إلغاؤها مطلقاً كما هو مذهب الظاهرية، ومن وافقهم رحمهم الله.
والقول الثالث: أنها حيض، ولو كانت بعد زمان الحيض، وهو قول للشافعي وأبي يوسف رحمهم الله.
وترجح مذهب الجمهور رحمهم الله بدليل السّنة فيما ثبت من حديث أمِّ عَطيّة رضي الله عنها قالت: [كُنّا لا نَعدُّ الصُّفرةَ، والكدرةَ بعد الطُّهرِ شَيْئاً] ومفهومه: أنها في الحيض حيض، وكذلك صحّ أن أم المؤمنين عائشةَ رضي الله عنها كُنَّ النساءُ كما في صحيح البخاري يَبْعثنَ لها بالدُّرجةِ فيها الصُّفرةُ، والكُدْرةُ من دم الحيض، فتقول: [انْتظِرْنَ لا تَعْجَلِنّ حَتّى تَرينّ القَصّةَ البَيْضاءَ] " الدُرْجة " مثل: الخرقة " فيها الكرسف ": الذي هو القطن.
فقولها رضي الله عنها: [انتظِرْنَ لا تَعجَلِنَّ حتّى تَرينّ القَصّةَ البَيْضَاء] واضح في الدلالة على أنها إعتبرته حيضاً، وأمرت بالإنتظار حتى ترى السائلةُ علامةَ الطُّهر، وهي القصة البيضاء فدلّ على أنّ الصُّفرة والكُدرة حيض في زمان الحيض.
واستدل بعض العلماء رحمهم الله بظاهر القرآن في قوله سبحانه: {ولا تَقْربُوهُنّ حَتّى يَطْهُرنَ} وهو عام في طهرهنّ من الدم بلونه المعتاد، أو غيره كالصّفرة، والكُدرة.
وأكدوا هذا بدليل النظر، وهو القياس على الدم، وأن الصُّفرة تنشأ من الدم كما في القيح، وتأخذ أحكامه كما في النجاسة.
فهذا كلّه يدل على رجحان مذهب الجمهور رحمهم الله أن الصُّفرةَ، والكُدرة في وقت الحيض حيض، وما بعده ليست بحيض لأنها كدم الإستحاضة.
قوله رحمه الله: [ومَنْ رَأتْ يَوماً دَماً، ويوماً نقاءً؛ فالدّمُ حَيضٌ، والنَّقاءُ طُهْرٌ]: تعرف هذه المسألة بمسألة التّلفيق، فإذا رأت المرأة يوماً دماً، ثمّ يوماً نقاءً، ثمّ يوماً دماً، ثمّ يوماً نقاءً؛ فالحكم ما ذكره المصنف رحمه الله: يوم الدم يومُ حيض، ويومُ النّقاء يومُ طُهْرٍ، فتحسب عادتها في أيام الدّماء وحْدَها، وهذا هو مذهب جمهور العلماء رحمهم الله، ودليله ظاهر الكتاب، والسُّنة، وهو أن النّصوص فيهما دلّت على أن الحيض في زمانه مترتب على وجود الدم، فإذا وجد الدم حكمنا بكونها حائضاً، وإذا لم يوجد حكمنا بكونها طاهراً، فهذا هو الأصل.
وعلى هذا المذهب فلو كانت عادتها خمسة أيام، وجاءها الدم يوماً كاملاً، ثم إنقطع يوماً كاملاً بعده واستمر بهذه الصورة، فإنه يحكم بخروجها من عادتها في تمام اليوم العاشر، فتلفّق أيام حيضها حتى تتم العدد.
¥